عندما زار ميشيل روكار رئيس وزراء فرنسا المملكة في أواخر الثمانينات المملكة، ذهل عندما شاهد الرياض من الجو مضاءة بالكامل وفي كل مكان بعقود لا تنتهي من الكهرباء أحالتها لشعلة ضوء واحدة. اعتقد رئيس الوزراء الذي يزور المنطقة لأول مرة أن هذه الأجواء الاحتفالية
كانت بسبب زيارته، فهو ربما تعود على مثل ذلك في بعض المستعمرات الفرنسية القديمة في أفريقيا. ولم يرد بعض المرافقين له إفساد فرحته بل تركوه يعتقد ذلك حتى وصل إلى حيث عرف فيما بعد أن هذه الاحتفالات كانت بسبب عودة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد، تغمده الله برحمته، بعد عودته من رحلة علاجية.
وهذا ما حصل تقريباً مع زائر آخر لم تستقبله الدولة بل استقبلته أنا في منزلي وحسب إمكانياتي، مع فارق الأهمية والمنزلة، وهو سائق هندي «بشطرطونه» كما يقال، أي لم يسبق وزار المملكة أو أي بلد آخر خارج «كيرلا» التي قدم منها. كان السائق يمر طريقا موصلا لكلية البنات، ولكن هو أيضاً قد استقبل زائراً آخر زينه بكاميرات في كل مكان، وكان أول شارع يتشرف بتركيب كاميرات ساهر. فقد حاول المسكين، بكل فخر وحبور، أن يخبرني بأنه كل ما مر مع هذا الشارع هناك من يلتقط له الصور كل يوم بفلاشات قوية. «بابا فيه نفر، فلاش فلاش كل يوم في شارع». استغربت من كلامه ولم أخذه بجدية، وقلت يمكن يزول له، أو أن عيونه تزغلل، فربما يحتاج لتحسين تغذيته.
وبعد يومين انتقلت الفلاشات من الشارع لشاشة جوالي، مخالفة مرورية، مخالفة مرورية، واحدة وراء الثانية. ركضت أدور على ابن الحلال، بطل الكاميرات، في كل مكان ولما لم أجده، انتظرته عند باب القراج وكأنه ضيف زائر أهم من أي رئيس وزراء. تعال الله يقطع عدوانك، إيش كلام، إيش فيه فلاس؟ هذي مخالفات والوحدة بثلاثمئة ريال وتدبل لو نسيتها لأي سبب. وبعد الاستفسار وجدت أن كاميرات ساهر تلتقط لبطلنا الصور كلما تجاوز الثمانين بقليل وكأنما هي كاميرات مجموعة من المعجبين يصطفون الشارع لتحيته، والأخ مبسوط.
تظاهرت بالطيب، وقلت له صديق أنت ما فيه معلوم خلاص أنا يدفع، معليش هذا قانون لا زم يحمي مغفلين. ولكني كنت ارتعد في داخلي، ولسان حالي يقول عسى ما أكون كدرت خاطره ثم ينحاش. فالهروب من أسهل ما يكون، ومشوار البنت الساعة ست الصبح، تسرح العصافير، سيناريو مرعب. أعطيته محاضرة في ساهر وقلت ترى بعدين فيه سجن وبعدين فيه برا، عشان أنت فيه يسوي بصمة. شوي تخويف يعني مع أني عارف أنه لا بصمة ولا هم يحزنون سوف ترده أو ترجعه لو هرب.
البيه السواق هذا شخصية مركزية في البيت وأنا لا أحب أي أحد يكدر خاطره، وطلباته كلها مجابة وحوادثه جميعها تصلح فوراً. وهناك تحذير مني لجميع أفراد العائلة بمراعاة مزاجه. فهو تخصصي مثلما المدام متخصصة في الشغالة تدلعها دلع وكأنما هي ست البيت لا عاملة منزلية. وبودي فقط لو تتشرف هيئة حقوق الإنسان بزيارتنا لعلها تنصحهم أو تطلب منهم مراعاة حقوقنا بأن يعطوننا وعداً قاطعاً بعدم الهروب، أو على الأقل عدم الهروب بدون سابق إنذار.
طبعاً مع ساهر لا حيلة للمضطر إلا مكينة الصراف، وعساك تلقاه شغال. حاولت أتذكر أخذ الحفيظة حتى أعرف نفسي للكاشيير حق ساهر، لأنه بدون ذلك قد يتعذر دفع هذه الغرامات بعد ما تدبل ثم لا سمح الله قد نضطر للتقسيط. وفي الصراف قابلت مواطناً آخر يصف في طابور صراف خدمات ساهر وهو يسأل عن كيفية السداد. ولتقطيع وقت الانتظار الممل أخذنا نتجاذب أطراف الحديث، أو فلنقل التشكي من نظام الضبط الإليكتروني الصارم الذي جاء ليحولنا في غمضة عين من طرقية لروبوتات تقود سيارات.
وكما يقال من شاف مصايب غيره هانت عنده مصيبته. فالرجل المسكين بلا مبالغة يفرفص من القهر، فسيارته مسروقة منذ عدة أيام، سرقها كما يبدو مراهق يسكن حول شارع فيه كاميرات ساهر، والرجال بس يسدد من المخالفات، والحرامي رايح جاي قدام الكاميرات. وكل مرة يشتكي يقال: سدد ثم طالب، وما يمديه يسدد إلا الكاميرا تصيد سيارته مرة أخرى. قلت له مازحاً: احمد ربك أنك ساكن حول الصراف وإلا يمكن كل يوم تأخذ مخالفة وإلا ثنتين وأنت جاي بها الحالة تسوق لتسديد المخالفات. الكاميرات الدقيقة التي تصيد السائق لو يتجاوز السرعة بخمسة كيلوات، حتى ولو كان مركب كفرات مقاس أكبر وتسير بسرعة أعلى من سرعة الطبلون، يوجد بها أحدث تيكنولجيات رصد السرعة وإبلاغ السائق بسرعة الدفع ولكنها لم تزود بعد بخدمات الإبلاغ عن السيارات المسروقة.
بعد فترة وجيزة حصلت أنا على مخالفة لتجاوزي سرعة سبعين إلى ثمانين، والله مشكلة، وطبعاً يعتبر هذا في عين ساهر تهوراً وتجاوزاً خطراً للسرعة وفيه تهديد كبير لحياة الآخرين. والغريب أن سرعات جميع الشوارع المضبوطة ساهرياً هي أعداد فردية 70، 90، 110 أي سرعات معلمة (علاماتها) في الطبلون بشريط صغير فقط ولا يوجد لها علامة بالأرقام مثل 80، 100، 120 ولذلك فالسائق قد يجاوزها دونما يشعر. ويحتاج أي سائق لشخص آخر معه في السيارة تكون مهمته البحلقة في الطبلون وإصدار إشارات فورية عند تجاوز خطيط السبعين أو التسعين. وهنا أسجل إعجابي بذكاء الشخص، أو الكمبيوتر الذي حدد السرعات بهذا الشكل.
بعد عشرين سنة من القيادة المنضبطة ذاتياً، والحرص على عدم السرعة التي لا أعرفها مطلقاً، وعدم ارتكابي أي مخالفات، ومع احترامي الكامل لحقوق الشارع وحقوق الآخرين فيه لدرجة أنني لم أجدد رخصتي لأني أعرف أن المرور لن يجد فرصة ليخالفني، فأنا أقود سيارتي أفضل من أي جندي مرور منضبط، ولا أقول غير منضبط، في آخر عمري أحصل على مخالفات قيادة السرعة ثمانين بدل سبعين، من منْ كاميرا في صندوق، والله حالة.
ولذلك قررت أن أقدم جائزة براعة اختراع لأول من يخترع شريحة ذكية تزرع في البشر مثلنا وتحولهم إلى روبوتات ملائمين لطلبات ساهر فهذا ضروري لحل حالات شد الأعصاب الذي سببها هذا النظام في مراقبة الطبلون وإشارات السرعة المتغيرة فجأة في كل شارع بدلاً من مراقبة الطريق والمارة والسيارات الأخرى. ثم في أي نظام منصف يكون تجاوز خطوط تكون أحياناً وهمية أو ممحية للمشاة تجاوزاً للإشارة برمتها.
ومع وافر الاحترام لساهر وللإحصائيات التي خرجت علينا فجأة من المرور بسرعة تتجاوز طبلون أسرع سيارة عن مساهمة ساهر في خفض الحوادث في الشوارع، تقارير وإحصائيات لم نسمع بها عندما كان ساهر نائماً. فساهر خفض الحوادث في 70% في الشهر الأول في ما يقارب 1% من الشوارع أو أقل! الجميع يدعم جهود المرور في ضبط الشوارع وفي تعويد الناس وتثقيفهم على القيادة وفق النظام بس شوي شوي، فالكي يأتي آخر الأدواء لا أولها، والضبط يختلف تماماً عن الانضباط. فلا أسهر الله لنا عيناً على فقدان حبيب أو قريب أو في التفكير في تراكم المخالفات.