يواصل التاريخ تقديم العِبَر والدروس لمن يتابع ويتمعن ويدرس ويحلل، وما حصل في تونس حدثٌ تاريخيٌّ لا يحصل إلا في مفاصل محددة في تاريخ البشرية؛ فالذي حدث لم يكن أحدٌ يتوقعه رغم كل الإرهاصات والأوضاع التي كانت تظهر على السطح في تونس، إلا أن تلك الأوضاع هي نفسها التي تعانيها دول مجاورة لتونس، إلا أن الذي عجّل فيما حصل من تغيير هو فقدان الأمل لدى الشباب التونسي، الذي سرعان ما امتد إلى باقي شرائح المجتمع؛ فالشاب الذي كانت أسرته تُعلّق عليه آمالاً كبيرة وهو يكد ويسهر الليالي لتحصيل العلم يجد نفسه بعد سنين طوال أسير المنزل أو المقهى بدون عمل، فيما يُعلّق شهادته الجامعة العليا فوق جدار مهمل في بيته.
وهكذا نمت ظاهرة الإحباط وفقدان الأمل أولاً في صفوف الشباب خريجي الجامعات وحَمَلة الشهادات العليا، ثم امتدت إلى صفوف الآخرين، خاصة بعد أن أصبح لدى معظم الأسر التونسية عاطل أو أكثر ممن بنوا عليه آمالاً بأن يؤدي حصوله على الشهادة الجامعية العليا في تحسين أوضاع الأُسَر المالية؛ فجاء العجز عن الحصول على فرصة عمل ليزيد من أعباء الأسرة التي عليها أن تُطعم شاباً آخر؛ وبهذا تضخمت نسب البطالة في مجتمع تُعدّ ثقافة العمل جزءاً من تكوينه؛ وهو ما أدى أيضا بالضرورة إلى اتساع مساحة العوز والفقر في المجتمع التونسي؛ فإذا لم يعمل الشباب لا بد أن تتسع مساحة الحاجة والعوز، وهو ما أوجد أهم أكثر الأسباب التي تسببت في إشعال الاضطرابات؛ فالبطالة والفقر هما العكازان اللذان تتكئ عليهما الاضطرابات والفوضى التي يندفع إليها المجتمع دون تبصر وروية؛ لأنه بكل بساطة فَقَد الأمل في إيجاد حل لهذين المعضلتين، وهما ما أشعل الوضع وأحدث التغيير في تونس، وهو ما يجب أن يُقرأ ويُحلَّل بإمعان لاستخلاص العِبَر ومعالجة السلبيات قبل استفحالها.