لو بادرت جامعة الملك سعود في مقرها بالدرعية، أو جامعة الإمام في مقرها بحي الفلاح شمال الرياض بعمل استبيان على طلابها يوضحون فيه مقر سكنهم، ماذا تتوقعون أن تكون النتيجة، وما نسبة طلاب الجامعة ممن يسكنون جنوب الرياض، ويقطعون يوميًا ما يقارب ستين كيلومترًا؟ طبعًا من الصعب أن نتنبأ بالنسبة، لكنني أشعر أننا سنجني خطأ تركيز التنمية الحكومية في جهة لشمال الرياض على حساب جنوبه وغربه، تمامًا كما وقعنا في خطأ تركيز مشروعات التنمية الحكومية في العاصمة، على حساب المناطق والمدن الأخرى، فبقيت هذه المدن تعيش تخلّفًا تنمويًا، بجانب تضاعف الهجرات الكبيرة منها إلى العاصمة ومواطن الرزق الوظيفي في الرياض أو جدة أو الدمام.
فماذا حدث؟ ازدحمت العاصمة بالسكان إلى درجة أن تكشَّفت البنى التحتية فيها، فظهر عدم كفاءة الخدمات وكفايتها، نظرًا لازدياد السكان فيها بشكل كبير، وبالتالي كثافة العمالة الوافدة فيها، فأصبحت خدمات الصحة متواضعة، وخدمات التعليم تلهث خلف تأمين المدارس الحكومية في الأحياء الجديدة، وكذلك خدمات الطرق والإنارة والصرف الصحي... إلخ.
منذ سنوات قليلة، تحوّلت النظرة بشكل إيجابي إلى مناطق المملكة المختلفة على مستوى التعليم العالي، فأصبح لكل منطقة جامعتها، وهذا أمر مهم جدًا، لأنه يخفّف الالتحاق بجامعات العاصمة، ولكن بقيت مشكلة أخرى، وهي فرص العمل المحدودة جدًا في هذه المناطق، فلا تعني الفرص أن تنشئ الدولة فروعًا لوزاراتها أو مؤسساتها أو هيئاتها المختلفة، أو أن يلتحق الخريجون هناك بسلك التعليم مثلاً، ولكن لابد من مشاريع حيوية للقطاع الخاص، فحين أنشئت الشركة الدوائية عام 1986 ومصنعها الضخم في القصيم، وفَّر فرصًا جيدة للشباب هناك، وأبقى على كوادر بشرية في منطقتها بدلاً من التحوّل الطبيعي إلى العاصمة، فماذا أنشئ في مختلف المناطق من مشاريع مضاهية ومنتجة؟
أعود إلى موضوع شمال الرياض وجنوبه، بدءًا من طلاب الجامعات، وانتهاءً بموظفي الجهات الحكومية، تلك الجهات التي خرج بعضها إلى مبانٍ جديدة، ولكن أين؟ في الشمال وحده، هذا الأمر سحب معه كل الخدمات وسبل التطوّر، فلن تجد على سبيل المثال فندقًا جديدًا يُنشأ في جنوب الرياض، لأن لا أحد سيقيم فيه، ولن تعقد فيه ندوات أو مؤتمرات، طالما أن مطار العاصمة ووزاراتها في الشمال المدلّل، ولا أعرف حقًا هل هو مدلّل أم مورَّط؟ لأنه سيتورط بكثافة سكانية ومرورية خانقة، كما يحدث الآن!.
فما هي المشروعات التي ستقام في جنوب الرياض وغربه في الخطط الخمسية أو العشرية القادمة؟ ما الجامعات التي ستقام هناك؟ ما الوزارات المنتظر انتقالها نحو الجنوب أو الغرب؟ أم أن الأمر سيقتصر على حفنة المطاعم التي تفتح فروعها بتوالٍ عجيب هناك، نظرًا لكثافة السكان هناك، وللأرباح المذهلة التي تحققها تلك المطاعم أو حتى الأسواق الجديدة؟ خاصة أن كثافة سكان حي واحد كحي السويدي قد تعادل أربعة إلى خمسة أحياء جديدة في الشمال، فضلاً عن أحياء سلطانة والشفاء والبديعة وغيرها.
أعتقد أن علينا أن نفكّر بجهات الرياض كما كنا نفكّر بمدن البلاد، خاصة أن العاصمة الآن أصبحت مدنًا متعدّدة في مدينة واحدة، فالمطالبة بإنشاء جامعة أو فرع من جامعة في جنوب الرياض هو حق مشروع كمطالبة حائل أو القصيم أو الجوف أو جازان بجامعة تخص تلك المناطق.