لم يعد هناك شيء يمكن أن تخفيه الحكومات والأنظمة؛ فإن لم تصلح أوضاعك تكشفك التقنيات الإعلامية، والقول بأن العالم قرية كونية أكدته الأحداث والحوادث التي تشهدها، ليس تونس والجزائر ومصر وإيران فحسب، بل خضم فيضانات أستراليا وثلوج أوروبا وحرائق موسكو.. لم يعد هناك شيء تستطيع إخفاءه؛ لأن العالم والثقافة الإنسانية تكتسب قيماً وسلوكاً بشرياً بدأ يفرض نفسه على الدول والأنظمة والحكومات؛ فحقوق الإنسان وتمتع المجتمعات بالحريات، الحريات بكل أبعادها: الحرية الشخصية، وحرية الرأي والاعتقاد وغيرها، وتفضيل المجتمع على الحكومات والجماعة على الفرد، وتحزب قوى دولية نافذة وقوية لهذه الأفكار والدفاع عنها بل وحتى فرضها على الدول والأنظمة جعل هذه الثقافة إنسانية شاملة تكتسب مساحات إضافية بعد أن انتبهت الشعوب لحقوقها، وأنها تستطيع أن تحصل على هذه الحقوق، خاصة أن قوى دولية نافذة وقوية تستطيع أن تفرض إرادتها. هذه القوى تدعم القيم الإنسانية القديمة الجديدة المستحدثة على السلوك الدولي، أو تستثمرها لتعزيز نفوذها، إلا أن الشيء المؤكد أن الشعوب أصبحت تتمسك بها وتعدها حقوقاً لا يمكن التفريط بها. وهكذا، وبعد أن وعت الشعوب مصلحتها ووجدت حاجتها إلى تنفيذ القيم الإنسانية، واستعداد قوى دولية لدعم مطالباتها بل وحتى فرضها على الحكومات والأنظمة، فإن المصلحة، وليس فقط القناعة بشرعية مطالب الشعوب، تدعو إلى الاستجابة والتوافق مع هذا التوجه الإنساني، وأن تعمل الدول والأنظمة والحكومات بقناعة وإيمان بإشراك مؤسسات المجتمع المدني من خلال العمل على إنشاء والسماح بتنوع هذه المؤسسات لتسريع عمليات الإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي ومعالجة كل التجاوزات والمخالفات التي تضر المجتمعات كتفشي الرشوة والفساد الظاهرتين اللتين تتسعان وتنموان داخل الأنظمة الدكتاتورية والمتسلطة.
ولذلك فإن الدول والمجتمعات التي لا تريد أن تصل إلى ما وصلت إليه الأوضاع في الدول المضطربة عليها أن تعطي الفرصة وتشجع مشاركة الفعاليات والمؤسسات في المجتمع المدني وكل شرائح المجتمع في رسم ووضع استراتيجية الإصلاح وتنفيذها، وأن يكون ذلك عن قناعة وإيمان وصدق في دعم ورعاية هذه المؤسسات وجعلها ترفد الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ومنحها فرص المشاركة في صنع القرار وتحقيق التنمية الشاملة التي تنعكس على حياة المواطنين، وألا تكون لصالح شريحة معينة في حين تُحرم الشرائح الأخرى.
JAZPING: 9999