يذكر أحد الشباب معاناته مع «التحويشة»؛ فهو رغم اجتهاده في عمل خطة ادخارية تعتمد على التقشف الشديد وضبط المصروفات وإلغاء كثير من الكماليات والسفريات إلا أنه رغم ذلك يقول إن «التحويشة» بقيت هزيلة وكأنها طفل مصاب بأقسى أنواع سوء التغذية، رغم حرصه على تغذيتها بنصيب جيد من راتبه، إلا أن الرقم يتحرك ببطء شديد، وكأنه يقول لصاحبنا هدئ أعصابك؛ الطريق طويل.
** الشاب كان يتحدث بحماسة وغضب في الوقت نفسه، وأن سنة من التقشف لم توفر ربع مهر شريكة المستقبل؛ ما ولَّد لديه أن قسمته من المال فقط ما يسد رمقه، وما زاد عن ذلك يشعر أنه يتطاير كورق المناديل في يوم عاصف، وأنه عكس كثيرين كأن لديهم «مغناطيساً» لجذب الأموال، وتوصل إلى قناعة بأن المثل الشعبي «وجه الفقر يستحي من الغناة» ينطبق عليه.
** قابلتُ صاحبنا بعد فترة من روايته لمعاناته، وكنتُ متحمساً لسؤاله عن حجم «التحويشة» لعلها أُصيبت بتخمة وزيادة بالوزن، إلا أنه أجابني بسرور قائلاً: «التحويشة.. تعيش انت»؛ فقد اغتالها وقطعها إرباً إرباً في ليلة شرقية، لا يذكر من ملامحها سوى جسر البحرين، وكان مقتنعاً بأنه لو لم يقضِ عليها لقضت هي عليه من كثرة مراقبته لها وتحسره عليها وهو يرى «تحويشات» الآخرين تنمو كالبعارين.
** كثيرون من جيل اليوم يعاني من إشكالية صعوبة الادخار، وغياب الثقافة الصحيحة التي تساعد على هذا السلوك؛ فكثيراً ما نسمع من شباب يستلمون رواتب عالية إلا أنهم يعانون من عدم الادخار. إن تنمية هذا السلوك يجب أن يكون منذ الصغر، وأن يسعى الأب إلى تشجيع الأبناء على عملية الادخار غير المخل، وتنمية المسؤولية تجاه ما يملكون من مال، وأن المال ليس فقط لصرفه كما يعتقد البعض، وإنما أيضاً لادخاره وتنميته.