مشهد (1) جاء لمكتب مسئول كبير، وهو نفسه كان مسئولا يشار إليه بالبنان في مؤسسة علمية تابعة نظاما للمؤسسة التي جاء لها ليحاول مراجعة ذلكم المسئول الكبير فيها. اعتذر «حاجب» ذلك المسئول عن إمكانية المقابلة وقال له إن لديه اجتماعا ثم طلب منه أن ينتظر في مكان آخر، في غرفة الاستقبال،
وفي هذا الأثناء خرج المسئول من مكتبه ومعه مسئول من المؤسسة التي يعمل فيها ذلك المراجع، بل إنه على قدم المساواة في الدرجة البيروقراطية ضمن تلكم المؤسسة العلمية. وعرف المسئول صاحبنا وتصافحا وتم تبادل التحايا بين الثلاثة وكان الموظف «الحاجب» يراقب الوضع عن كثب وبكل اهتمام، شرح صاحبنا موضوعه، أو مطلبه، للمسئول الكبير موضحا له ما يمكن أن يعمله لمطلبه، على الرغم من أن مطلبه ليس خاصا به بل يشمل أناسا آخرين من مجموعته المهنية. أما الموظف بعد ذلك اتجه للمراجع واعتذر له وسلمه بطاقته التعريفية ثم يذهب المراجع أو صاحب الحاجة إلى شأنه، قل ما كل ذلك، أو ما ذلك؟ ستقول لي: ثقافة المجتمع و أوافقك على ذلك، ولكني أقول أليس من علاج لهذا؟، أليس ثمة وسائل لتعليم هؤلاء الموظفين «الصغار» كيف يتعاملون مع المراجعين؟، مع المواطنين، مع أصحاب الحاجات والمطالب، أليسوا يعملون لخدمتهم؟، ألا ينتمي أولئك إلى مجموعة، بل شريحة عريضة من المجتمع تعرف بالقطاع المدني، أو الخدمة المدنية؟ الخدمة المدنية: خدمة الوطن والمواطن، بل وتشمل خدمة المقيم، وتدفع لهم الرواتب والبدلات والحوافز من أجل ذلك، ذلكم المكان الاستقبال أمام مكتب المسئول الكبير، يحتوي على مقاعد وأرائك وطاولات وفرش وإنارة وضعت من بيت مال العموم، من ميزانية القطاع العام لخدمة الناس «عامة الناس» الصغير والكبير، هل نقول لرجل كبير في السن خدم ويخدم وطنه سنوات طويلة: اذهب وانتظر في مكان آخر غير هذا؟ وهل نقول له كن بعيدا عن مكتب «المسئول الكبير»؟، أيكون لزاما عليه أن يبتعد عن مكتب المسئول الكبير؟!
مشهد (2) يقوم المسئول الذي كلف من قبل المسئول بكتابة خطاب لرئيس مؤسسة بشأن الموضوع الذي جاء من أجله المراجع وبعد أيام يعرف المراجع أن رئيس المؤسسة قد فوض صلاحيات متعددة لأحد وكلائه وهذا الوكيل حسب إفادة المراجع الذي كان زميلا له وعلى قدم المساواة معه بيروقراطيا في المؤسسة نفسها من الأشخاص الكتومين أو المتكتمين والبيروقراطيين من الطراز الأول. هذا البيروقراطي من عادته ألا يبوح بشيء ويمسك بالموضوع أو «المعاملة» ليفكر فيها ويتدبر الأمر ويمكن ألا ترى النور مرة أخرى وذلك المسئول كان عضوا في المجموعة المهنية ولا بد أنه كان في يوم من الأيام وقف في باب مسئول في مؤسسة وقدم له طلبا لحاجته، أما الآن فهو مسئول يستقبل أو لا يستقبل زملاء له سابقين، أو حاليين، لك أن تجيب على السؤال: كيف به يتحول ويتغير، والذي كان بالأمس مرؤوسا؟ لربما أن الكرسي الدوار يصيب البعض بالدوار!
مشهد (3) بدأ الوضع عاديا بعد أن افتتح رئيس الجلسة جلسة روتينية لمجلس في مؤسسة أكاديمية يدير شؤون أحد الأقسام في تلكم المؤسسة، يجلس إلى يمين رئيس الجلسة أمين المجلس الذي يسجل وقائع الجلسة وما اتخذ من قرارات وتوصيات، وتتوزع الموضوعات المعروضة لتشمل شؤون الطلاب وهيئة التدريس وموضوعات أخرى وكالمعتاد يكون في الغالب المجتمعون صقورا فيما يتعلق بالموضوعات الطلابية وربما حمائم بالنسبة لموضوعات هيئة التدريس، التي في معظمها موضوعات المجتمعين من ترقيات وأبحاث ومؤتمرات وإعارات واستشارات وغيرها، ومن الموضوعات الطلابية مذكرة قدمها مشرف على رسالة دكتوراه تضمنت المذكرة إفادة بأن ذلك الطالب أكمل متطلبات الرسالة، أحد متطلبات درجة الدكتوراه في ذلكم القسم، وما أن انتهى من قراءة التقرير حتى رفع أحد الحاضرين يده وحالما أعطي الكلمة من رئيس الجلسة طعن في التقرير الذي لم يتضمن عبارات تنص على إكمال الرسالة وما كان من مقدم التقرير إلا أن خرج من الجلسة ثم عاد بمذكرة معدلة تبين أن الرسالة تم إنجازها بشكل مكتمل، السؤال هنا: كيف يقبل التغيير الجذري في التقرير بجرة قلم من تقرير لا ينص على الإنجاز إلى آخر يؤكده، حاول أخي الكريم أن تجد تخريجا لذلك.
مشهد (4) تحولت الإشارة الضوئية في تقاطع أحد الشوارع إلى اللون الأحمر توقفت خلف سيارة تجاوزت خط الوقوف، ثم انطلق قائدها قاطعا الإشارة الضوئية، وكان هنالك أحد رجال المرور واقفا يراقب حركة السير، فالتفت إليه قائلا: لقد قطع السائق إشارة المرور، هل لاحظت ذلك؟ فأجابني بجواب لم أتصور أن يصدر من رجل كلفته الدولة بمراقبة تطبيق النظام واتخاذ اللازم نحو المخالفين له، قال: لوكنت مكانه لفعلت مثلما فعل! وحتى الآن لم أجد تخريجاَ لهذه العبارة، فلربما كان ينتظر نظاما ما يصدر أو كان يتوقع نظاما مثل «ساهر»، آلة تترصد المخالفين لنظام التوقف عند الإشارة الحمراء.
مشهد (5) توقف في موقف تابع لإحدى البقالات، ونزل مع عائلته لشراء بعض لوازم البيت، ثم خرج ليجد سيارة تقف خلفه، لاصقة به، لا يمكن أن يحرك سيارته، وانتظر إلى أن جاء صاحبها، وخاطبه بأسلوب معقول معاتبا إياه تجاه وقوفه خلف سيارته، وما كان جواب ذلكم الرجل إلا أن قال: تأتي بسيارة «كشخة» في هذا الحي ولا تتوقع أن «يسد» على سيارتك؟» ثم اتجه نحو سيارته يطلق ضحكات لم يعرف محدثي لها مبرراَ.
كنت أذكر ذلك لأحدهم وبعد أن انتهيت تنفس صاحبي الصعداء وقال متسائلاَ: هل ترى أن لمجتمعنا عقلية خاصة به؟!