يدرس طلابنا بدءاً من الصف الأول الابتدائي وحتى الصف الثالث الثانوي مايقارب الستين مقررا ضمن مناهج التربية الإسلامية المقررة على طلاب وطالبات التعليم العام. وفي الصف الأول الابتدائي تدرس للطلاب في مادة الفقه والسلوك موضوعات نظرية رائعة عن تعظيم القرآن الكريم والصدق والأمانة والشجاعة وفضل السلام وبر الوالدين وحق المعلم. لانختلف على أهمية مناهج التربية الإسلامية وتعليمها لطلابنا، والإشكالية القائمة ليست في كم المقررات أوكثافة موضوعاتها بل في التساؤلات التي يثيرها واقع الحياة الذي نعيشه عن الأثر الذي تتركه مناهج التربية الإسلامية بكميتها وكثافتها في سلوكيات طلابنا. أريد فقط التركيز على الأثر دون الدخول في دهاليز الكمية والكثافة التي قد تثير حساسية غير مبررة لدى بعض! أثر تلك المناهج التي تشغل حيزا واسعا في خريطة مناهج التعليم العام يتعدى 30% من مجمل المقررات ودورها إن كان لها دور ملموس في تعديل السلوكيات والاتجاهات الخاطئة وغرس القيم السامية والنبيلة.
لقياس الأثر بشكل دقيق هل بنيت تلك المناهج بطريقة صحيحة؟ وهل تتوافر فيها جوانب عملية ومهارات يدرب عليها الطلاب من خلال الممارسة العملية اليومية لطرق التعامل الحسن مع الآخرين والتعاطي مع طرق الحوار الحضاري الراقي وحب الآخرين وتعزيز قيم الصدق والأمانة والانضباط ونبذ الذات وغيرها؟
ويأتي السؤال الأهم ما الأثر الذي تركته لمحو القيم الذميمة من نميمة وغيبة وكذب ونفاق وغش وخداع وهي القيم التي تعمر مجالسنا الاجتماعية إلا من رحم ربي! وما مدى إسهام المناهج الإسلامية في استئصال الحسد والكره والاستعلاء والفوقية والغطرسة والغرور من نفوس الطلاب؟
بنظرة بانورامية على واقع المجتمع قد نفجع بضعف الأثر رغم الكمية الهائلة من المعلومات النظرية التي تعبأ في رؤوس الصغار. لكن يبدو أنها تخزن في الذاكرة حفظا لافهما يحتفظ بها الطلاب إلى موعد الاختبار ثم تطير بنهايته ولا يبقى لها أثر. لن نفاجأ عندما نجد شابا مراهقا لايحترم الكبار ولايطيع والديه ولا يحافظ على ممتلكات مجتمعه وربما يركل الكتب الدينية بقدسيتها بقدميه حال خروجه من قاعة الاختبار. لن نصدم بانتشار العنف والقسوة والاعتداء على الآخرين وحدوث حالات الاغتصاب والابتزاز والشذوذ والسرقة وخطف الأطفال وترويج السموم. نصادف وقائع وحالات شبه يومية لسلوكيات لاتستقيم مع مايدعو إليه الدين الإسلامي. شاب يشتم عامل نظافة مسكين لاحول له ولاقوة، وامرأة تعذب خادمتها وتضربها بعنف ممايدل على أن المناهج قد أهملت فقه المعاملات وتطبيقاته العملية وركزت على الحشو.
حتى فقه العبادات لايترك إلا أثرا محدودا ولتأكيد صدق كلامي تابعوا برامج الفتاوى ونوعية الأسئلة الموجهة للمشايخ. يكفي أن تلاحظ كيف يسأل شخص عن أحكام تدرس في المرحلة الابتدائية.
لن تفلح تلك المناهج مهما بلغ عددها في تعديل السلوكيات وتكريس القيم النبيلة مالم تحول مفرداتها إلى قيم سلوكية يدرب عليها الطلاب عمليا طيلة الاثنتي عشرة سنة. ولن يكون بمقدور تلك المهارات والسلوكيات أن تتجسد دون إعداد معلم التربية الإسلامية ليكون قادرا على تدريب طلابه ولن يكون باستطاعته القيام بتلك المهمة العظيمة مالم يكن قدوة لطلابه في كل سلوكياته لا أن يمارس الازدواجية المربكة لعقول الطلاب فيدربهم على الصدق وهو يكذب والعدل وهو يظلم والانضباط وهو منفلت واستثمار الوقت وهو أول المهدرين له.