أحياناً تضيق بتبعات العمل ومشاغله ومتاعب روتينه، وهناك تود عندها أنك ترحل عنه كما رحلت «أم عمرو» التي وردت قصتها في بيت شعري شهير.
أشرت ذات مرة إلى «أنني كنت في حوار مع صديق، ومدير لشركة كبيرة لها علاقة بالناس، قال لي وأنا أحاوره: أشعر بعد أن أمضيت في العمل ما يقارب «25» عاماً بالسأم والملل.. لقد سئمت من الرتابة، ومن قيود العمل، ومن الالتزامات التي تفرضها عليك تبعات المنصب من اجتماعات، ومن حضور مناسبات.. ومن سفريات ليست في خيارك..!.
قلت له: أتفق معك كثيراً.. ولكن ألا تعتقد أن عملك رسالة، ومهما كان فيه من متاعب إلا أن فيه متعة من خلال العطاءات التي تقدمها للآخرين ومن ثم لوطنك من خلال مؤسستك التي تسهم بطريق مباشر أو غير مباشر في شموخ هذا الوطن؟..
قال: هذا صحيح.. لكن دعني أكون أنانياً وأتحدث معك بأسلوب اقتصادي.. إنك عندما تنظر بحساب الأرباح والخسائر، تجد أنني أعمل وأجهد نفسي وأنا أستطيع أن أعيش عيشة جيدة من خلال الدخل الذي سوف يأتيني بعد تركي العمل، وقد أقوم -مع ذلك- بعمل بسيط ليس فيه استهلاك للجهد والوقت والصحة، ومريح من السفريات والرسميات المرهقة وعندها أكسب بقية عمري.
قلت: -وأنا أكاد أميل إلى رأيه-، ولكنني -وفي سياق خطابي الإقناعي له- قلت: ألا تستطيع أن توفق بين مطالب عملك ورغائب نفسك بأسلوبك الاقتصادي؟!..
قال: لقد حاولت ذلك، لكنني وصلت إلى قناعة هي: أن أعيش بقية عمري دون هذا الإرهاق.. أريد أن أمارس هواياتي دون أن يسرقني وقت العمل منها.. أريد أن أسافر دون أن يلاحقني الهاتف والفاكس والإيميل.. أريد أن أعيش مع أسرتي وأولادي أكبر وقتت ممكن.. أريد -أخيراً- أن أجد وقتاً كافياً لنفسي وحتى «لهواجسي».
قلت: -وقد رأيتني أميل إلى رأيه بدلاً من إقناعه- إنني أشعر بسلامة وجهة نظرك.. فما أصعب المواءمة بين مسؤولية العمل وراحة النفس المأمولة..! إنها معادلة صعبة وعسيرة..!.
***
-2 أ. محمد صلاح وغياب القلم المضيء..!
فقدنا قلم أستاذنا: محمد صلاح الدين الذي كنا ندور مع «فلكه» طوال السنين الماضية بالصفحة الأخيرة بصحيفة «المدينة»، وذلك بسبب عارضه الصحي المؤقت بحول الله.
أ. محمد صلاح الدين ذو الخلق الكريم وصاحب القلم المشرق ينطلق في طروحاته من غيرته على شأن وطنه وشأن أمته الإسلامية التي سامها الأعداء ذُلاً وهواناً.
إن هذا الكاتب بقدر ما وظف قلمه للدفاع عن وطنه وسماحة إسلامه، وتفنيد ما يدبره الأعداء ضد هذا الوطن وضد هذا الدين، فقد كانت له مساهمات أخرى في هذا الشأن، فقد أنشأ ونشر مجلة إسلامية في بريطانيا تحمل لواء نشر سماحة الدين الإسلامي، وتبيان قيمه لإبراز الصورة الحقيقية للإسلام بعد أن شوهها أعداؤه وبعض أبنائه مع الأسف! لنتضرع إلى الله الرحيم أن يمنّ على حبيبنا أ. محمد صلاح الدين بتمام الشفاء ليعود قلمه المضيء مواصلاً رسالته الجليلة التي لم يتخلّ عنها طوال مسيرته الكتابية.
***
-3 صقيع المشاعر..!
عند اشتداد هجمات «البرد» نبحث عن كل الوسائل التي تبعث الدفء في أجسامنا وأعضائنا..!
لكن -يا ترى- من يدفئ صقيع المشاعر داخل قلوب البشر.. من؟!..
من يمنح الإنسان دفء المحبة سواء كان ذلك الإنسان «طفلاً» صوّح قلبه سيف الطلاق.. أو «أُمّاً» قتلها جمود العقوق.. أو «قلباً» هدّه جليد الفراق..؟!
إنه من السهل جداً أن يحصل الإنسان على دفء مادي لجسده.. لكن الأكثر صعوبة أن يظفر ب»نهر دفء» صغير يذيب صقيع عمره، وجليد دواخله.
***
-4 آخر الجداول
لكريم العرب حاتم الطائي:
(أماويّ إن المال غادٍ ورائح
ويبقى من المال الأحاديث والذكر).
الرياض 11499 - ص.ب: 40104 فاكس: 014565576