|
د. حسن أمين الشقطي(*)
لقد أصبح العالم قرية صغيرة، ويعتبر التحرير الاقتصادي والمالي من أهم الأسباب وراء أن يصبح العالم بمثابة قرية بلا أبواب.. وقريباً لن يكون هناك مجال لإغلاق سوق سواء أكان سوقاً سلعياً أو خدمياً أمام أجنبي، حتى سوق العمل لا مجال سوى الانضمام لتحريره.. وتوحد الأسواق وانفتاحها يحقق مزايا كما أنه قد يحقق سلبيات.. ويعتبر سوق الأسهم من الأسواق القليلة التي تستفيد أكثر مما تخسر من تحريرها.. إلا إنه كلما تم اختيار الوقت الأنسب لهذا التحرير والانفتاح ، كان استفادة السوق أعلى من انفتاحه.. ويجب أن نسعى للتفكير بعمق عن مدى مناسبة فتح سوق الأسهم المحلي أمام الأجانب في الوقت الحالي، بل إننا نرغب في استبعاد فكرة تجريب فتح السوق أمام الأجانب كمحاولة لتحسين السيولة المتداولة.. لأنّ هذه الفكرة قد تكون طريقاً لمزيد من تضاؤل السيولة بالسوق إن فشل الفتح في جذب سيولة جديدة.. بل إننا نسعى لتقصى مدى إمكانية أن تكون الأموال الساخنة للمستثمرين الأجانب قناة ناجحة لاستقرار السيولة المتداولة حالياً بالسوق.. إن أي مستثمر حالي بالسوق السعودي سيفرح بخطوة مثل فتح السوق أمام الأجانب، وسينادي بالتعجيل بها.. لأنه يعتقد أن ذلك سيحرك المياه الراكدة (السيولة المتدنية) على الأقل لفترة من الزمن.. ولكن ينبغي أن لا يكون التفكير كذلك، بل يجب أن نأخذ في اعتبارنا ما يمكن أن يؤول إليه السوق عند عدم نجاحه في جذب سيولة أجنبية جديدة.. لقد حدثت تجارب ومحاولات كثيرة ومتعددة بالسوق خلال الأربع سنوات الأخيرة، فمن فتح السوق أمام الأجانب المقيمين وسوق السندات والصكوك وصناديق المؤشرات واتفاقيات المبادلة، ولكن بعضا من هذه المحاولات لم يصادفه النجاح المأمول.... إن لسان الحال يقول إن عدم اتخاذ بعض القرارات قد يكون أفضل كثيراً من اتخاذها.. فهل الوقت مناسب لفتح السوق حالياً أمام الأجانب؟
مدى مناسبة الوقت الحالي
لفتح السوق أمام الأجانب
إن نجاح أي قرار جديد مثل قرار فتح السوق أمام الأجانب يعتمد في المقام الأول على تقييم الوضع الراهن ومدى تكيفه لمثل هذا القرار.. إن التساؤل الذي يثير نفسه : هل السوق بوضعه الحالي وبأدائه الراهن مؤهل لفتح أبوابه بالكامل أمام الأجانب؟ إن تقييم وضع السوق حالياً يمكن إبرازه في كلمة واحدة هي «هدوء أو استقرار».. وعليه يثار تساؤل ثانٍ أكثر أهمية: هل هذا الاستقرار متزامن مع حركة تداول قوية ؟ إذا كانت الإجابة بنعم، فيمكن توقع أن ينال هذا السوق عندئذ إعجاب وقبول أي شريحة مستثمرين يعرض عليها سواء أكانوا محليين أم أجانب.. ولكن إذا كانت الإجابة بأنّ هذا الاستقرار تزامن مع حركة تداول ضعيفة أو حتى غير مناسبة.. بمعنى آخر أنّ هذا الاستقرار والهدوء تزامن مع ضعف في السيولة المتداولة.. فإنّ هذا السوق ينبغي أن يتريث كثيراً قبل التفكير في اتخاذ مثل هذا القرار.. إن التساؤل الهام الثاني : هل استقرار سوق الأسهم المحلي بهذا الشكل هو الوجه الآخر لعملة تدني معدلات السيولة المتداولة ؟ لو كانت الإجابة بنعم يبقي واضحاً أن الاستقرار الحالي هو عبارة هدوء مختلط وناجم عن تباعد قدر من السيولة المعتادة عن السوق والتي هي في الغالب هي لأفراد سعوديين.
خلاصة القول إنه إذا كانت إستراتيجية هيئة سوق المال في فتح السوق أمام الأجانب تقوم على آفاق محسوبة في جذب مستثمرين أجانب بعينهم، وأنها رصدت هؤلاء المستثمرين، وتأكدت أنه لا ينقصهم سوى إعطاء الضوء الأخضر لهم بفتح السوق للاستثمار المباشر لهم.. بمعنى أن هيئة السوق تدرك تماماً وبثقة، أن هناك مستثمرين دوليين السوق يعتبر جذاباً لهم بوضعه الحالي، فهذا جيد ومدعاة للفتح العاجل والسريع لأبواب السوق أمام الأجانب.. أما إذا كان قرار فتح السوق هو قرار مرحلي يجب أن يتم لأن هذا هو الوضع العالمي المأخوذ به، فإننا يمكن أن نقول بأنه لو كان هناك متسع من الوقت أمام هيئة السوق، فإن الوقت الحالي ليس هو الوقت المناسب لاتخاذ مثل هذا القرار، وذلك للأسباب التالية:
1- إن عدم اتخاذ هذا القرار يعطي لهيئة السوق أداة قوية لا تزال في الانتظار، بما يثير تفاؤل المستثمرين الحاليين بالسوق بأن المستقبل سيكون أفضل.. أما إذا حدث وتم فتح السوق ولم يتغير الوضع للأفضل، فقد يتسبب ذلك في سيطرة حالة تشاؤم شديدة، قد تتسبب في انسحاب عدد هام من المستثمرين السعوديين والأجانب الحاليين.
2- إن مشاركة كافة الأجانب المسموح لهم بالتداول المباشر بكافة أشكالهم بالسوق (خليجيين وأجانب مقيمين) لا تزال متدنية (لم تزد عن 5% في الإجمالي) ولا تدعو للتفاؤل بتأهل وتهيؤ السوق لفتحه أمام الأجانب غير المقيمين.
3- السوق بالفعل يعتبر مفتوحاً أمام الأجانب غير المقيمين من خلال اتفاقيات المبادلة، ولكن مشاركتهم في السيولة المتداولة لم تزد بأي حال من الأحوال عن 2.5%.
الانطباع الأول يدوم..
في اعتقادي أن القرار السليم حالياً هو السعي لتعزيز وزيادة معدلات مشاركة الأجانب المقيمين أو الأجانب غير المقيمين من خلال اتفاقيات المبادلة، وإذا نجحت هذه المحاولة، على الأقل برفع معدلات هذه المشاركة إلى ما يزيد عن 20% من حركة التداول، عندها يمكن التفكير في مزيد من تحرير السوق ومزيد من فتحه أمام الأجانب.. أكثر من ذلك، فإنه أخذاً بمقولة «الانطباع الأول يدوم»، فإنّ تأهيل السوق والبحث عن حلول لتحسين سيولته أولاً سيعزز من جاهزية السوق لفتحه أمام الأجانب.. وبالتالي، فسيكون الانطباع الأول عن السوق بين الأسواق العالمية أفضل كثيراً عما إذا تم الانفتاح في ظل الوضع الراهن.
السوق المصري يتداول يومياً
529 مليون ريال فقط
تداول سوق الأسهم المصري الثلاثاء الماضي حوالي 529.4 مليون ريال فقط، وهي قيمة السيولة اليومية المعتادة في السوق المصري الذي تتداول فيه حوالي 182 شركة، أي بعدد شركات يفوق عدد شركات السوق السعودي.. ومع هذه القيمة المتدنية للسيولة والتي تصل إلى خمس السيولة اليومية المتداولة في السوق السعودي (بعدد شركات 145 شركة فقط)، مع كل ذلك لا يشتكي أحد من تدني حجم السيولة كما يحدث بالسوق السعودي.. فهل المشكلة في السوق المصري أم في السوق السعودي؟ بكل حيادية، فالسوق المصري اعتاد الجميع فيه (مصريون وأجانب) على مثل هذا المستوى من السيولة، ولا يوجد لديهم مشكلة كبيرة، لأن السوق عندما كان يرتفع فإنه لا يزيد عن 600 أو 800 مليون ريال يومياً.. أما بالسوق السعودي، فإن المشكلة الحقيقية التي تواجهه حالياً ليس في ضعف مستوى السيولة المتداولة، ولكن تراجعها عن مستويات أعلى كان يعتبرها البعض مقياساً لاستقراره.. فبالطبع ففي سوق كان يتداول في فترات سابقة سيولة تزيد على 25 مليار ريال في اليوم الواحد، وكان لفترة أكثر من عام وعامين يتداول يوميا مستويات تزيد عن 10 مليارات ريال، سيواجه اضطراباً عندما تتضاءل هذه السيولة إلى ثلاثة أو أربعة مليارات فقط يومياً.. وللعلم، فإن القيمة السوقية لشركة سابك وحدها تعادل تماماً قيمة رسملة سوق الأسهم المصري (324 مليار ريال).. وعليه، فإنه بمعايير الثقل السوقي لقيم الشركات المتداولة، فإن السوق السعودي يتداول عند مستويات متدنية حالياً تحتاج إلى سرعة وضع خطط عاجلة لدفع وترقية هذه السيولة بأي شكل.. ولكن في اعتقادي أن فتح السوق أمام الأجانب ليس من ضمن هذه الخطط المناسبة في الوقت الحالي، لأن نجاح هذا الفتح قد يكون نتيجة لزيادة هذه السيولة.. لأن استثمارات الأجانب إنما هي أموال ساخنة تبحث عن الربح السريع ولا ترى جدوى في الاستثمار طويل الأجل أو الانتظار للحصول على كوبونات أو أرباح أسهم أو غيرها.. إنها تحتاج بيئة معينة بملامح خاصة أهمها سماتها حركة التداول القوية والسريعة والنشطة.
(*)محلل اقتصادي