مع أنَّه أسلوب قديم تأكَّد عدم جدوى الاستمرار على الأخذ به، والذي تلجأ إليه الدول المتخلِّفة سياسياً، والتي لا تزال تنتهج أسلوب الترهيب والإرهاب لفرض نهجها السياسي في الدول التي تسعى إلى بناء نفوذ لها مستغلةً جماعات سياسية أو مكونات طائفية تمدها بالمال وخبراء مخصصين في إرهاب الذين لا يؤمنون بأساليبهم والفكر الذي يسعون لترويجه. هذا الأسلوب العقيم الذي استعمل في العراق وفرغه من أي دبلوماسي وسياسي عربي فاعل، بعد أن قامت العناصر والجماعات التي تعمل لصالح تنفيذ أجندات دولة إقليمية يعرفها الجميع بممارسة شتى أنواع الترهيب وصلت إلى حد قتل السفير المصري في بغداد وخطف عدد من الدبلوماسيين العرب الخليجيين.. هذا الأسلوب الذي استطاع ولوقت قصير أن يحقق أهدافاً لتلك الدولة الإقليمية، إلا أنه سرعان ما عاد العراق إلى محيطه العربي، وسيلفظ كل ما حاولت جماعات الدولة الإقليمية الطامعة والأحزاب الطائفية التي تنفذ أجندتها فرضه في العراق لإبعاده من محيطه العربي.
الآن في لبنان تتكرر مسرحية وسيناريو إضعاف الوجود العربي نفسه لصالح تصاعد نفوذ الدولة الإقليمية ذاتها التي فرضت هذا الواقع الشاذ في العراق، وبالأساليب نفسها، أساليب الإرهاب والترهيب، وباختلاف بسيط، وهو إذ كان السيناريو قد نُفذ في العراق بواسطة أحزاب طائفية عُرفت بارتباطها بتلك الدولة الإقليمية الطامعة، فإنَّ في لبنان توزع الأدوار لمساعدة المليشيا الطائفية التي ارتدت بنادقها إلى صدور اللبنانيين، وانضم إلى «جوقة الترهيب» حزب الجنرال الساعي إلى حليف يؤمن كرسي الرئاسة حتى وإن تباينت الأيديولوجيات طالما تطابقت المصالح.
وأسلوب الإرهاب والترهيب في لبنان مرَّ بعدة مراحل ظلت تتصاعد، والهدف منها إضعاف الوجود العربي سواء بتصفية القادة اللبنانيين المؤثرين بدءاً بالرئيس رفيق الحريري مروراً بكل الضحايا من الوزراء والكُتَّاب والسياسيين الذين جرى اغتيالهم من جهة بات أمر التغطية عليها صعب التحقيق بخاصة بعد إنشاء المحكمة الدولية التي حصلت على قرائن من الصعب تجاهلها. وهو ما جعل الدولة الإقليمية التي ورطت لبنان وقادته تلجأ إلى هذا المأزق في محاولة ووفق السياق نفسه «سياق الترهيب» بالتغطية على الحقيقة وإلغاء المحكمة الدولية حتى لا تعلن الحقيقة التي تدينها وتفضح الأحزاب والجماعات والشخصيات التي تنفذ أجنداتها. والآن بعد أن تأكدت هذه الدولة من أن قرار الإدانة لن يستطيع أحد اعتراضه، وبعد أن عجزوا عن فرض آرائهم حتى بالترهيب، وجدوا أن الهروب من المواجهة والانسحاب من الحكومة هو الأجدى، حتى ينتقلوا لتنفيذ المرحلة الأخرى من مراحل فرض النفوذ بالترهيب بعد أن عملوا طوال الفترة الماضية على إفشال كل جهود التهدئة والاتفاق على قواسم مشتركة تتيح محاسبة من قاموا بالاغتيالات دون المساس بأمن الوطن.
JAZPING: 9999