مما تعارف عليه أن المرأة ترث نصف ما يرث الرجل، ويستدل في ذلك على أنها مخلوق ناقص! إلا أن الأمر ليس على إطلاقه؛ فالمرأة لا ترث نصف ميراث الذكر دائمًا وأبدًا. فلم يذكر القرآن في الوارثين أن للذكر مثل حظ الأنثيين مطلقا، وإنما جعل ذلك في حالة (الأولاد). قال تعالى: {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} (11) سورة النساء، وفي غير هذا الموضع فإن القرآن قد استخدم لفظ (النصيب) لكل من الذكور والإناث على حد سواء {لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا} (7) سورة النساء.
وعلى غير الاعتقاد السائد؛ فإن معايير التفاوت في أنصبة الميراث لا علاقة لها بالنوع (ذكر أو أنثى) على الإطلاق إنما تكون درجات التفاوت بدرجة القرابة أولاً، فحيثما كان الوارث أقرب إلى المتوفى زاد نصيبه في الميراث. ويأتي العمر كتفضيل ثانٍ، فكلما كان الوارث صغيرًا في السن، كان نصيبه من الميراث أكثر. فابن المتوفى يرث أكثر من أبي المتوفى برغم اشتراكهم بالذكورية، وكذلك ابنة المتوفى ترث أكثر من أمه! ويصل الأمر إلى أن ابنته ترث منه أكثر من نصيب أبيه، فعامل السن تفوّق في هذه الحالة، حيث استقبال الأعباء والمسؤوليات.
وحينما تتساوى درجة القرابة والسن كنظرة مستقبلية للجيل القادم؛ يأتي العامل الثالث وهو التكاليف المتوقعة والمسؤوليات المسندة للذكر، عندها يأخذ أكثر من الأنثى، حيث هو المسؤول عن دفع المهر وإعالة أسرته شرعا، بل وحتى إعالة أخته حين لا يوجد من يعولها!
والمواريث في القرآن واضحة وعادلة؛ إلا أن ما يؤلم هو مماطلة بعض الرجال في منح أخواتهم أو قريباتهم حقوقهن من الميراث بحجة تنمية المال، والاكتفاء بمنح بعضهن مبلغ صغير كل عام يكفيها لتنفق على نفسها، لأنها بزعمهم - في ظل غياب العدالة وسكوت القضاء عن ذلك - لم تبلغ سن الرشد! وتزداد الصورة قتامة ومأساوية وتشتد ظلما حين يحرم الرجل المرأة من الميراث تماما،لاسيما في حالة الأراضي. فالمفاهيم المغلوطة - في ضوء الأعراف القبلية البالية في بعض مناطق المملكة - ترى أن توزيع الإرث وإعطاء المرأة حقها يقتضي تقسيم الأرض وبالتالي دخول الغريب من زوج أو ابن وهو أمر غير مقبول البتة، حيث يستحوذ أخو المرأة أو أبوها أو ابنها على كامل الميراث وليس لها الحق في المطالبة به، وإجبارها على التنازل بحجة عدم قدرتها على التصرف أو خوفا من استفادة الغريب منه، وفي ذلك إجحاف، وظلم ظاهر عليها حيث يكون تنازلها مشوب بعيب الإكراه أو الخطأ أو الجهل.
وينبغي السعي لتعديل هذه المفاهيم الخاطئة والتصدي لظاهرة حرمان المرأة من حقها في الميراث، وضرورة تثقيفها بحقوقها الشرعية والمدنية، ومساعدتها للحصول على حقها، لا سيما أن غالبية السيدات لا يعرفن حقوقهن في الميراث جهلا أو خوفا من العتاب أو العقاب. ولا يجرؤن على مطالبة ذويهن بهذا الحق! ولا ريب أن حرمانها من حقها الشرعي قد يسبب البغضاء والعداوة بين أفراد الأسرة الواحدة ويجعل المرأة أقل ولاءً لأسرتها.
يقول قتادة: (كان أهل الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصبيان) فكان أكبر الأولاد آنذاك يأخذ جميع الميراث بحجة أنه (لا يعطى إلا لمن قاتل على ظهور الخيل، وطاعن بالرمح، وضارب بالسيف وحاز الغنيمة). وهذه بلا شك جاهلية حاربها الإسلام وأعطى المرأة نصيبها من الميراث.
وبرغم أنه لا يوجد حالياً قتال على ظهور الخيول أو الحمير، كما أن السيف والرمح قد ذهب بريقهما وصارا للزينة فقط؛ إلا أن المرأة السعودية لا زالت في نظر البعض لم تبلغ سن الرشد!!
www.rogaia.net