تعريف الشهادة : الشهادة في الأصول مأخوذة من المعاينة وهي المشاهدة فأنت إذا شهِدتَ الشيء فكأنما عاينته.
في البداية أرجو أن لا يتوهم القارئ الكريم أن كتمان الشهادة، أو أداء الشهادة موقوف على خصومات المحاكم، ومشاجرات الخصوم في كواليس القضاء، وأروقة المظالم!! إذ لا يخلو مجتمع من المجتمعات من اجتماع وحوار، ونقاش، وجدال ومفاوضات.. نحتاج معها إلى من يديرها، ليضبط الحوار ولا يتحول إلى تشنجات ومشاحنات وضغائن، فيتحول من (حوار إلى انتحار!!)، ومن (نقاش إلى هواش)، ومن (جدال إلى مجادلة!!)، ومن (تفاهم إلى تفاقم)، ومن (مفاوضات إلى فوضويات!!)، ومن (تنسيق إلى تفسيق!).
فأرى والرأي الأتم لسعادة القراء الكرام أن الإدلاء بالشهادة وترجيح ما يراه الحاضر صواباً، وتأييد الرأي المصيب أمر ضروري غاية في الأهمية!! يحسم مادة الخلاف، ويكبح جماح الهيجان العاطفي، ويقطع دابر الفتنة والمشاحنات، فالرجل فينا أو المرأة إذا كان في اجتماع العمل أو المؤسسة أو الشركة أو الأسرة ثم دار أي نقاش وحوار يجب عليه أن يدلي برايه، ويضع بصمته، ويرجح ما يراه راجحاً.. حتى يُعزز موقف المصيب، ويقوي طالب الحق.. وليعلم المخطئ أنه أخطأ، والمبالغ أنه بالغ.. قال تعالى: {وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ}، وخصّ القلب بالإثم لأنه مكانه، وللزجر والمبالغة بل يقول العلماء: من كتم الشهادة وضاع الحق لزمه ضمانه.
فلا تجبن ولا تخرس ولا تصمت بل أدلي برأيك إشارة، أو عبارة، أو تلميحاً، أو تصريحاً.. المهم لا تكون سلبياً، فالساكت عن الحق شيطان أخرس، والناطق بالباطل شيطان ناطق، وحاشاك ذلك إن شاء الله، لكنه هو الواقع، فالقاعدة العامة عن الرجال والشرع المطهر هي: (كن قوياً في الحق ليناً في عرضه).
اجْهر برأيك لا يأخذك ترويعُ
لا يَبْلُغ الحقُ إلا وهو مسموع!!
فالمتحاورون أو المتخاصمون بأمس الحاجة إلى شهادتك وترجيحك، وقولك لأحدهما (نعم صَدقَت)، أو (هو صادق)، أو (صحيح)، أو (نعم)، أو حتى بإشارتك برأسك!
لرأيُ قيل شجاعة الشجعان
هو أولٌ وهي المحل الثاني
أما غالبية الناس الذين أقل ما يقال في حقهم أنهم (جبناء) فضلا عن (كتمان الشهادة)، حيث تجدهم إذا احتدم النقاش، وحمى الوطيس، صمتوا وفي رواية (انطرموا) وفي رواية جبنوا.
فإذا وضعت الحرب أوزارها، أي هدأت العاصفة، وأُحق الحق وأبطل الباطل، أو أبطل الحق وأحق الباطل، قال الواحد منهم: فِعلا أنا أؤيد كلامك، كلامك صحيح، أو رأيك وجيه!! (طيب أين أنت أثناء الحوار، لم تؤيدني، ولم ترجح رأيي، ولم تصوّبني)!!
لا خير في ودِّ أمرءِ متلون
حلو اللسان وقلبه يتلهّبُ
يعطيك من طرف اللسان حلاوة
ويروغ عنك كما الثعلب!!
وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: (ألا خبركم بخير الشهداء؟ الذي يأتي بشهادته قبل أن يُسألها).
قال تعالى: {وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ} (فلا تكتم الشهادة)، قال العلماء: (الأصل في الشهادة أنها واجبة وإلا فهي فرض كفاية، إذا قام بها البعض، سقط الإثم عن الباقين وإن نَكَل الجميع أثموا جميعاً.. فهذه الشهادة كم أبطلت من حقوق، وأحقت من باطل، وأثارت من خصوم، وشتت من أسر، وأوقدت من حروب، وأضاعت من حقوق.
وفي الجهات الحكومية والشركات والمؤسسات دائماً ما تجد المسؤولين متعطشين (على أحرَّ من الجمر) إلى شهادة الآخرين المحايدين لتأييد مطالبهم في كذا وكذا أمام مسؤوليهم ومدرائهم، فهم بأمس الحاجة لشهادة العناصر المحايدة، لكي يشعروا مسؤوليهم أن هذا هو نبض المجتمع عن هذه الجهة أو المصلحة أو الجهاز الفلاني أو ذاك، فلا تحتقر نفسك فأنت الوطن وأنت كيان الجولة.. والسلام عليكم.
محافظة رياض الخبراءali5001@hotmail.com