Saturday  08/01/2011/2011 Issue 13981

السبت 04 صفر 1432  العدد  13981

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

بدأ اهتمام الإنسان بالجودة منذ القدم، وتطورت تطبيقاتها ومفاهيمها بتطور الحضارة الإنسانية، وأسهمت كل الحضارات في دفع عجلة الجودة إلى الأمام، فالجودة مفهوم لها تاريخ عريق، ولكنها كانت في بدايتها بسيطة، وكان توجهها الأساسي نحو الفحص، أما اليوم فإن النشاطات المتعلقة بالجودة غدت ذات بعد استراتيجي في المنظمة.

وتعتبر إدارة الجودة الشاملة Total Quality Management مفهوماً عالمياً يساعد المؤسسات على تحقيق مستويات عالية من الأداء، وهي عملية استراتيجية إدارية ترتكز على مجموعة من القيم وتستمد طاقة حركتها من المعلومات التي نتمكن في إطارها من توظيف مواهب العاملين واستثمار قدراتهم الفكرية في مختلف مستويات التنظيم على نحو إبداعي لتحقيق الجودة والتحسين المستمرين للمؤسسة.

وتأتي الجودة Quality في مقدمة الاهتمامات الاستراتيجية الحيوية التي نواجهها في حياتنا عموما، وفي مجالات أعمالنا وتخصصاتنا بصفة خاصة، ويرجع ذلك إلى التقدم العلمي والتقني المتلاحق وتزايد حدة المنافسة بين المؤسسات الإنتاجية والخدمية في ظل زيادة العرض على الطلب.

ويتجاوز مفهوم الجودة معناه التقليدي أي جودة المنتج أو الخدمة ليشمل جودة المؤسسة أو المنظمة بهدف تحسين وتطوير العمليات والأداء، وتقليل التكاليف، والتحكم في الوقت، وتحقيق رغبات العملاء ومتطلبات السوق، والعمل بروح الفريق، وتقوية الانتماء.

والجودة الشاملة هي فلسفة, وثقافة مشتركة, تهدف لتلبية احتياجات المستفيدين المتغيرة وتوقعاتهم بشكل مستمر وتام وبنجاح أكبر، وذلك من خلال التحسين المستمر للمؤسسة، وبمشاركة فعَّالة من الجميع من أجل منفعة المؤسسة والتطوير الذاتي لموظفيها، وبالتالي تحسين نوعية الحياة في المجتمع.

ومن الضروري أن يُنظر للجودة الشاملة على أنها فلسفة وثقافة مشتركة تشكِّل جزءاً جوهرياً من قيم وثقافة المؤسسة وتساعد في تفسير سبب وجودها، وماذا تفعل؟ وكيف تفعل ذلك؟ إن نشر ثقافة الجودة الشاملة وفلسفتها في المرحلة التمهيدية الإعدادية لتطبيق الجودة في المجال التعليمي، يسهم في الانتقال إلى النمط الإداري التشاركي لتكون مفتاحاً ومدخلاً أساسياً وطبيعياً لتحسين وجودة العملية التعليمية التعلمية في المرحلة التالية تحقيقاً للأهداف التربوية المنشودة.

مفاهيم الجودة الشاملة: الجودة بصفة عامة مفهوم عصّي على التعريف بسبب غموضه وتعدّد معانيه, فعلى الرغم من ضرورة جودة التعليم, إلا أن كل فرد يمتلك فهماً خاصاً لماهية هذه الجودة, ويمكن الحكم على وجود الجودة عندما تكون الخدمة مطابقة للمواصفات الجيدة ولابد لها من وجود معايير يقوّم أصحاب المؤسسات عملهم في ضوئها.

وإن تباين مفاهيم وأفكار إدارة الجودة الشاملة Total Quality Management وفقاً لزاوية النظر من قبل الباحثين انعكس بشكل واضح على عدم وجود تعريف عام متفق عليه من قبلهم، إلا أن هناك بعض التعاريف التي أظهرت تصور عام لمفهوم إدارة الجودة الشاملة TQM، ويمكن ملاحظة التعاريف التالية: مفهوم الجودة الشاملة من وجهة النظر البريطانية: «أنها الفلسفة الإدارية للمؤسسة التي تدرك من خلالها تحقيق كل من احتياجات المستهلك، وكذلك تحقيق أهداف المشروع معاً».

أما وجهة النظر الأمريكية فتعرف إدارة الجودة الشاملة TQM: «هي فلسفة وخطوط عريضة ومبادئ تدل وترشد المؤسسة أو المنظمة لتحقيق تطور مستمر وهي أساليب كمية بالإضافة إلى الموارد البشرية التي تحسن استخدام الموارد المتاحة وكذلك الخدمات بحيث أن كافة العمليات داخل المنظمة تسعى لأن تحقق إشباع حاجات المستفيدين الداخليين والخارجيين.

ويعرفها رودس: «أنها عملية استراتيجية إدارية ترتكز على مجموعة من القيم، وتستمد طاقة حركتها من المعلومات التي نتمكن في إطارها من توظيف مواهب العاملين، واستثمار قدراتهم الفكرية في مختلف مستويات التنظيم على نحو إبداعي؛ لتحقيق التحسن المستمر للمنظمة».

وقد عرفها كروسبي (Crosby) وهو أحد المؤسسين ل TQM أن «إدارة الجودة الشاملة تمثل المنهجية المنظمة لضمان سير النشاطات التي تم التخطيط لها مسبقاً حيث إنها الأسلوب الأمثل الذي يساعد على منع، وتجنب المشكلات من خلال العمل على تحفيز وتشجيع السلوك الإداري التنظيمي الأمثل في الأداء باستخدام الموارد المادية، والبشرية بكفاءة عالية».

ويمكن تلخيص مفهوم إدارة الجودة الشاملة من وجهة نظر ريتشارد وليامز كما يلي: أنها أسلوب قيادي ينشئ فلسفة تنظيمية تساعد على تحقيق أعلى درجة ممكنة لجودة الإنتاج، والخدمات، وتسعى إلى إدماج فلسفتها ببنية المؤسسة أو المنظمة، وأن نجاحها يتوقف على قناعة أفراد المنظمة بمبادئها، وأن مبادئها تضيف بالفعل قيمة وجودة للمنظمة، وقد أثبتت مبادئها نجاحاً مستمراً لأنها تسعى وبصورة مستمرة إلى تحقيق رضا العميل الداخلي والخارجي من خلال دمج الأدوات والتقنيات، والتدريب الذي يؤدي إلى خدمات، ومنتجات عالية الجودة.

ويشير جابلونسكي إلى أن مفهوم إدارة الجودة الشاملة تعني الإسهام الفعال للنظام الإداري، والتنظيمي بكافة عناصره في تحقيق الكفاءة الاستثمارية للموارد المتاحة من مادة أولية، ومعدات، وقوى بشرية، ومعلوماتية، وإدارة، وإستراتيجية، ومعايير ومواصفات..إلخ، بحيث تسهم جميعاً في السعي لتحقيق هدف المؤسسة أو المنظمة الذي يتركز في تحقيق الإشباع الأمثل للمستفيد الأخير من خلال تقديم الخدمات بالمواصفات القياسية ذات النوعية المتميزة.

ويمكن التعبير عن هذه النظرة الشمولية بالشكل التالي كما يقترحه جابلونسكي: ويقصد بالجودة الشاملة في المجال التربوي التعليمي: أداء العمل بأسلوب صحيح متقن وفق مجموعة من المعايير التربوية الضرورية؛ لرفع مستوى جودة المنتج التعليمي بأقل جهد، وكلفة محققاً الأهداف التربوية التعليمية، وأهداف المجتمع، وسد حاجة سوق العمل من الكوادر المؤهلة علمياً.

والجودة الشاملة في التربية عملية إدارية ترتكز على مجموعة من القيم، وتستمد طاقة حركتها من المعلومات التي توظف مواهب العاملين، وتستثمر قدراتهم الفكرية في مختلف مستويات التنظيم على نحو إبداعي لضمان تحقيق التحسن المستمر للمؤسسة.

ولتطبيق الجودة الشاملة فوائد منها الآتي:

1 - تحسين العملية التربوية، ومخرجاتها بصورة مستمرة.

2 - تطوير المهارات القيادية، والإدارية؛ لقيادة المؤسسة التعليمية.

3- ضبط وتطوير النظام الإداري نتيجة لوضوح الأدوار، وتحديد المسؤوليات بدقة.

4 - تنمية مهارات، ومعارف، واتجاهات العاملين في الحقل التربوي.

5- الارتقاء بمستوى الطلاب في جميع الجوانب الجسمية والعقلية والاجتماعية والنفسية والروحية.

6 - التركيز على تطوير العمليات أكثر من تحديد المسؤوليات.

7 - العمل المستمر من أجل التحسين، والتقليل من الإهدار الناتج عن الرسوب أو التسرب.

8 - تحقيق رضا المستفيدين وهم (الطلبة، أولياء الأمور، العاملين، المجتمع، سوق العمل).

9 - الاستخدام الأمثل للموارد المادية، والبشرية المتاحة.

10 - تقديم الخدمات بما يشبع حاجات المستفيد الداخلي والخارجي.

11 - توفير أدوات، ومعايير، ومؤشرات؛ لقياس الأداء.

12- توفير جو من التفاهم، والتعاون، والعلاقات الإنسانية السليمة بين جميع العاملين بالمؤسسة.

13 - تخفيض التكلفة مع تحقيق الأهداف التربوية.

وحتى يتم تحويل ثقافة وفلسفة الجودة الشاملة إلى حقيقة داخل المؤسسة: يجب ألا تبقى هذه الفلسفة مجرد نظرية دون تطبيق عملي، ولذلك بمجرد استيعاب مفهوم الجودة الشاملة، يجب أن يصبح جزءاً وحلقةً في عملية الإدارة التنفيذية من قمة الهرم إلى أسفله، وهذا ما يعرف بإدارة الجودة الشاملة، وهي عملية مكونة من مراحل محددة بشكل جيد، وتحتاج إلى متسع من الزمن لتحقيقها، حتى تصبح مألوفة للمؤسسة التي تتبناها، ويتم تنفيذها باستمرار.

ويعتبر إدوارد ديمنج رائد فكرة الجودة الشاملة، حيث طور أربع عشرة نقطة توضح ما يلزم لإيجاد وتطوير فلسفة وثقافة الجودة وتحويلها إلى حقيقة داخل المؤسسة.

وحتى يكون للجودة الشاملة وجود في مجال التطبيق الفعلي لا بد من توافر خمس صفات للتنظيم الناجح لإدارة الجودة الشاملة:

1 - حشد جميع العاملين داخل المؤسسة بحيث يدفع كل منهم بجهده تجاه الأهداف الاستراتيجية.

2 - الفهم المتطور، والمتكامل للصورة العامة، وخاصة بالنسبة لأسس الجودة الموجهة لإرضاء متطلبات «العميل أو المستفيد» والمنصبة على جودة العمليات والإجراءات.

3 - قيام المؤسسة على فهم العمل الجماعي.

4 - التخطيط لأهداف لها صفة التحدي القوي، والتي تلزم المؤسسة وأفرادها بارتقاء ملحوظ في نتائج جودة الأداء.

5 - الإدارة اليومية المنظمة للمؤسسة من خلال استخدام أدوات مؤثرة وفعالة لقياس القدرة على استرجاع المعلومات والبيانات (التغذية الراجعة).

ولقد كان للابتكار الياباني مساهمةً في نشأة إدارة الجودة الشاملة، والذي كان يسمى ب»حلقات الجودة»، ويشار إليها أحياناً ب»حلقات رقابة الجودة»، وكان الهدف من دوائر الجودة هو أن يجتمع كل الموظفين في لقاءات أسبوعية منتظمة؛ لمناقشة سبل تحسين موقع العمل، وجودة العمل، ويتم فيها تحفيز الموظفين على تحديد المشكلات المحتملة للجودة، ثم مناقشة وعرض حلولهم الخاصة، وقد بدأت دوائر الجودة لأول مرة في اليابان في عام 1962م، وبحلول 1980م زاد عدد دوائر الجودة إلى أكثر من 100000 دائرة تمارس عملها في المؤسسات والشركات اليابانية.

وانتقلت فكرة حلقات الجودة إلى أمريكا في السبعينات، وحققت رواجاً كبيراً في الثمانينات، وفي ضوء نجاحها الواضح في اليابان، انتشرت حلقات الجودة داخل الصناعة الأمريكية، مع توقعات كبيرة من الجميع عن نتائجها الرائعة والفورية.

وشاعت حلقات الجودة، لدرجة أنها وصفت في مجلة Business Week عام 1986م بأنها موضة الثمانينيات، ويعود الفضل في استخدام الجودة الشاملة إلى مساهمات العديد من العلماء الأمريكيين واليابانيين من أمثال: إدوارد ديمنغ، جوزيف جوران، فيليب كروسبي، واشيكاوا وغيرهم، فهي تقوم على مبادئ منها ما يلي:

أولاً- التركيز على المستفيد: وهذا يعني كيف تجعل من عملك جودة تحقق رغبات المستفيد منك.

ثانياً - التركيز على العمليات: وتعني السيطرة على عملية الأداء.

ثالثاً - القيادة والإدارة: إذ لا توجد مؤسسة ناجحة بدون قائد.

رابعاً - تمكين العاملين: بمعنى إشراكهم في اتخاذ القرار فالجودة تبدأ من الداخل.

خامساً - التحسين والتطوير الشامل المستمر: يرتكز التحسين، والتطوير المستمر على ثلاث قواعد مهمة هي:

1 - التركيز على العميل (المستفيد).

2- فهم العملية.

3- الالتزام بالجودة.

سادساً - الوقاية: تطبيق مبدأ الوقاية خير من العلاج، وهو العمل الذي يجعل عدداً الأخطاء عند الحد الأدنى، وذلك وفق مبدأ أداء العمل الصحيح بشكل صحيح من أول مرة وكل مرة وبدون أخطاء.

سابعاً - الإدارة بالحقائق: يعتبر القياس والمعايرة هما العمود الفقري للجودة، وهما المؤشر الذي يعطي المعلومات لاتخاذ القرار المناسب.

ثامناً - النظام الكلي المتكامل: عبارة عن مجموعة من الإجراءات المتكاملة، تؤدي إلى هدف مشترك مثل: الإدارة العامة، والإشراف التربوي، والإدارة التعليمية، والشؤون الإدارية، وغيرها.

أما فيما يتعلق بأدوات، وتقنيات الجودة الشاملة ذاتها فيمكن أن نقول إن إدارة الجودة الشاملة تعتبر وسيلة لتأسيس البيئة والظروف الملائمة لتحقيق خطة وطموح المؤسسة، في النجاح ومنافسة المؤسسات الأخرى، غير أن تحقيق الغايات يستدعي استخدام وسائل معنية بتوفير كل مقومات النجاح لإدارة الجودة الشاملة وتطبيقها من القمة إلى القاعدة في كل قطاعات المؤسسة كجزء من البرنامج الذي يستهدف تطبيق إدارة الجودة الشاملة كعملية دائمة.

ومتى ما أدركت الإدارة العليا للمؤسسة ميزة تطبيق نظريات إدارة الجودة الشاملة يمكنها عندئذ تطبيق الطريقة المناسبة لبدء عملية التطبيق، أي استحداث وتطبيق واحدة أو اثنتين من أساليب إدارة الجودة الشاملة كقاعدة لبدء عملية تحسين الجودة، وبصرف النظر عن الأسلوب الذي يقع عليه الاختيار، ينبغي أن يكون ذلك الاختيار عنصراً يساعد على تحسين الجودة، ابتداء من مرحلة الاستحداث والتطوير وحتى مراحل ترسيخ وإدامة إدارة الجودة الشاملة.

وأما عن معايير ومؤشرات الجودة الشاملة: فالمعيار هو أعلى مستويات الأداء التي يسعى الفرد للوصول إليها , ويتم على ضوئها تقويم مستويات الأداء المختلفة والحكم عليها، وفي ذات الوقت هو النص المعبر عن المستوى النوعي الذي يجب أن يكون ماثلاً بوضوح في جميع الجوانب الأساسية، لذا تعد عملية تحديد المعايير أمراً في غاية الأهمية لضمان تحقيق الجودة.

وتحتاج الجودة المطلوبة في الأداء لمعايير ومؤشرات لمراقبتها وضمان تحققها في هذا الأداء، حيث تعد هذه المعايير بمثابة المحك الذي يقاس في ضوئه مستوى أداء جميع العاملين, ودليل للبعد عن الذاتية في الحكم على هذا الأداء, وتعطي جميع العاملين الحافز للوصول للصورة المثالية المرجوة في الأداء، كما أن هذه المعايير تسهل في بناء برامج النمو المهني الذي يحتاجه جميع العاملين.

وأخيراً فإن متطلبات تطبيق الجودة الشاملة في المؤسسة التربوية التعليمية هي على النحو التالي:

- القناعة الكاملة، وإلمام وتفهم جميع العاملين بمفاهيم الجودة الشاملة.

- التزام الجميع بالتغيير في الجوانب التي تتطلب ذلك بالمؤسسة التربوية.

- إشاعة الثقافة التنظيمية الخاصة بالجودة في المؤسسة التربوية نزولاً إلى المدرسة.

- إنشاء برامج تدريب والالتزام بها لكافة الأفراد.

- تشجيع وتحفيز العاملين في الاستمرار في برامج الجودة الشاملة.

- مشاركة جميع الجهات، وجميع الأفراد العاملين في جهود تحسين جودة العملية التعليمية.

- تأسيس نظام معلوماتيّ وهيكلي فعال لإدارة الجودة على الصعيدين المركزي والمدرسي.

مدير إدارة الجودة التربوية بوزارة التربية والتعليم

 

ثقافة الجودة الشاملة في التعليم
عدنان بن أحمد الورثان

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة