قالت لي وهي ترتشف قهوة الصباح: (أكره النفاق والشر، وأحب الخير، لكن في الوقت ذاته هما أكثر ما يسبب لي المشاكل في حياتي) ابتسمت حينها وتذكرت مقولة الأديب الإنجليزي كبرناردشو يقول فيها: ما أحوج العالم إلى رجل كمحمد يحل مشاكله وهو يشرب فنجاناً من القهوة (أي ببساطة).
حقيقة لا أعلم لماذا هذا التناقض العجيب في مفهوم الثقافة التي أصبحت تتأرجح في مجتمعاتنا بين مصارعي الخير والشر في زمن أصبحت فيه الشكوى من طبائع البشر، فلا معنى للحياة بدون ثقافة ومعرفة تعيننا على المضي فيها واجتيازها بنجاح، الكثير منا يذكر أيام الطفولة وبالأخص ذكريات المدرسة وكيف كنا نردد تلك الأمثال التي كانت ترفع في المدرسة مثل «العلم في الصغر كالنقش على الحجر» «ومن سار على الدرب وصل» ولو تأملنا واقعنا الآن نجد أنه قد سطت عليه رؤى سوداوية متشائمة، وبدأ الكثير يردد حكماً وأمثالاً تساعد على ذلك (اتق شر من أحسنت إليه)، (وإن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب)، (والبقاء للأقوى) والتي تعصف عاتية لتشويه مفاهيم ثقافة الخير فضلاً عن كونها نبعا غدقا للمشكلات والحقيقة لا تحجب في تلك الأقاويل التي لا يعرف لها شاهد، والمشكلة الكبرى في تلقينا لتلك الأقوال حيث إننا نستشهد بها ونوظفها في أحاديثنا على أنها دقيقة وتعبر عن خبرة الإنسانية جمعاء، فجميعنا نسّلم أن للناس حقوقاً وواجبات ولكن لسوء الخط أن الأشخاص المسّلمين بأفكار كهذه يوقعون أنفسهم في بؤس دائم جوارهم التشاؤم وسماؤهم مظلمة لأنهم يؤمنون بمبدأ (قانون الغاب) فالذئاب لا تفترس إلا أمثالها!! فكم يثير الشفقة منظرهم وهم يلهثون وراء مفاهيم ومبادئ خاطئة ظانين أنها طريق النجاح وأنهم أهل للسعادة فمرجعية البؤس في هذا العالم هو المبدأ فإن لم تفهم المبدأ فلن تسعد فالمدخل الصحيح لحل مثل الأزمات هو إعادة بناء الثقافة عامة وثقافة الخير بين الآخرين خاصة. وتأملوا معي كيف زرع الرسول -صلى الله عليه وسلم- ثقافة الخير والتشجيع بالأسلوب النبوي الرائع فقال: (نِعْمَ الرجلُ عبدالله لو كان يقوم الليل)، وكيف ضرب أروع الأمثال بابنته ليحقق مبدأ العدل والمساواة حين قال: (لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها). فليس ثمة مجتمع ليس فيه مشكلات، والثقافة هي التي تحدد حجم المشكلات السائدة، لذا نحن بحاجة ضرورية إلى نشر ثقافة الخير في الغير لنهيئ أنفسنا ونجهزها للتعايش مع ظروف المستقبل ويمكن أن نستعد لذلك من خلال التعلم والتدرب والبحث، لكن يحتاج الأمر منا إلى قرار داخلي يجعلنا مختلفين في التفكير ومتميزين عن غيرنا في النظر إلى الأحداث مع التمعن للأمور بحكمة حينها ستكون حتما ثقافة الخير بخير.
هناء أحمد العضيدان- محافظة الغاط