كتبت عدة مقالات عن أغلب المواضيع التي يتداولها الناس في معظم البلدان لا سيما في الزمن القريب، والتي اختصرها الغربيون في الأحرف الثلاثة الأولى من لفظها باللغة الإنجليزية، وهي SPS، وتعني الرياضة والسياسة والجنس. وهذه المواضيع الثلاثة هي الشغل الشاغل للناس في مجالسهم يطرحونها للنقاش والجدل الذي قد يؤدي إلى الغضب والتباعد. ومما صاحب هذا العصر انتشار وسائل الاتصال من تلفاز وإنترنت وغيرها مما يجعل منابر النقاش أكثر اتساعاً، والجدل أكثر احتداماً، والصراخ أعلى صوتاً، والجذب أكثر قوة، والتأثير أكثر ضرراً إلا فيما ينفع الناس. والرياضة في هذا الزمان لا سيما في المجتمع السعودي ربما تحظى بنصيب الأسد بين صاحبتيها الباقيتين، وهي ميدان واسع للنقد والجدل، والأخذ والرد، والبروز ومن ثم التواري ثم الظهور، وهكذا حالها وحال الناس معها، وهي تُفرحُ وتحزن، وتُلهي وتشغل وتقسو وتصفح، ومع هذا فالغالب فيها سعيد وعنها يتابعد كل جديد، وقد تتابعه في منزله وعمله وربما في مرقده، هذا الهيام بمستهام لا ينطق، ويفعل فعل السحر في العقول، وربما أنفع لملء فراغ لمن لا يرغب في القراءة أو ممارسة الرياضة ذاتها.
والسياسة عند الناس على وجه البسيطة هي الأخرى لها نصيب من الاهتمام، والتناقض حولها ليس له حد، والأفكار تتراوح بين الاستمتاع والجد، وهي سائرة يرسمها أصحابها كما يرون، والناس حولها يتهافتون تهافت الفراش على النار، فيها من الأفراح الكثير، ومن الآلام جم غفير، وكل منهم يغني على ليلاه وليلى نائمة في فراشها لا تعبأ بمن يدندن حولها، ويتمنى أن ينال من فضلها، ولو حظي برمقة عين منها لدان لها بالمودة، وأغدق عليها المديح وأظهر المحبة، وأكثر التبجيل، وهجر العويل، ولِمَ لا وهي إن أعطت أغنت، وإن انصرفت أضرت، نظرتها ماكرة، وكلمتها ساحرة، كفها ندى، وثديها سخي، يتقاتل الناس في سبيلها، ويتنافسون لنسيم عليلها، لها قاصد مخلص، صادق حريص، كيّس حصيف، ولها قاصد مكار، لعوب مهزار، يبحث عن عيوبها ليظهرها، أو يستتر بادّعاء حبها وهو يضمر حقداً، ويبطن كيداً. وربما أنها تعلم هذا وذلك، لكنها تتكلم بقدر، أو تفعل فعل ولاّدة بنت المستكفى برواد مجلسها، حيث تفرق نظرتها على الجميع، فيظن كل الحاضرين أنها له وحده، وأنها ستطفئ له وجده. فيقول فيها من الشعر أروعه كما قال ابن زيدون:
هي الماء تأبى على قابض
ويمنع زبدته من مخض
أما الجنس، فهو فطرة فطر الله الإنسان عليها، وفعله بالحلال أجر وثواب، وبغير الحلال حرام يستحق صاحبه العذاب، لكن الحديث فيه وحوله تصريحاً أو تلميحاً فيه متعة، لا سيما لمن أظهرت فيه السنين آثارها، وعندما يغلب على الجالسين النعاس، ويرغب صاحب المنزل لهم الاستئناس، فيتطرق إلى هذا المجال، يهب الجميع للاستماع والمشاركة والاستشهاد بالشعر والنثر والمفاكهة، فينشط المسترخي، ويبتسم المتجهم، فتعود الحيوية إلى المجلس كما بدأت.
ومع كثرة القنوات الفضائية، اختلط غثّها بسمينها، وخيرها بشرها، والمرء له أن يختار، وبمقدار حسن التربية يكون الاختيار.
وستظل هذه المواضيع الثلاثة الميدان الأكثر تداولاً بين بني البشر إلى أن تخرج ثقافة عالمية جديدة تستطيع انتزاع هذا النسق.