لولا احتفال العالم مؤخرا ممثلا بمنظمة اليونسكو باليوم العالمي للغة الأم، لما كان للغة العربية نصيب من هذا الاحتفاء الذي ذكّرنا به أصحاب العقول الحية من أبناء الفصحى، الذين أصابتهم عدوى بعض الحماس اللغوي العالمي تجاه لغاتهم الأم.
نتيجة لذلك قام الغيورون من أبناء لغتنا العربية يجهود مخلصة وإن كانت أقل مما تستحقه هذه اللغة العظيمة، ولكن ما لا يؤخذ كله لايترك جلّه، فعلى سبيل المثال قامت جمعية اللغة العربية بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن بالتعاون مع النادي الأدبي بالرياض بتقديم ندوة أدبية شيقة بعنوان: لغتنا والإبداع، أدّاها بعض الأكاديميين السعوديين أداء شيقا جيدا. واتصال اللغة العربية بالإبداع حديثه يطول لا سيما أن اللغة الفصحى هي بحق لغة الإبداع الحقيقي خصوصا في التراث أيام «كان وكنا»، حيث كانت لنا شخصيتنا الإبداعية الأصيلة في جميع المجالات الأدبية والنقدية شعرا ونثرا، بدلا من الشخصية المعاصرة الممسوخة في كل شيء خصوصا في المجال الثقافي والفكري، الذي أتمنى معه أن أستمتع بقراءة نتاج شعري أو نثري مفهوم فما بالك إذا كان غير مقنع، ولا يجد القارئ إلا طلاسم وغموض تصده عن متابعة القراءة، فإذا كان هذا حال كثير من المتخصصين والمتخصصات، فكيف حال غير المتخصصين الذين حيل بينهم وبين استمتاعهم بآداب لغتهم، التي عمّها المسخ والطمس عن طريق الترجمة الحرفية، ممزقة المعاني.
لكن ليست الترجمة الحرفية هي الخطر الوحيد الذي يتهدد الإبداع العربي، بل هناك ما هو أفدح من ذلك ألا وهو خطر العامية التي تهدد التحام الفصحى وتناسقها، وليت العامية فقط تلتصق فقط بالأميين الذين يبلغ عددهم في العالم العربي حسب الإحصاءات الموثوقة 60%، ولكنها للأسف تطغى أيضا على حديث معظم المثقفين، بل لقد ظهر مايسمى بلغة العمالة التي بدلا من أن نؤثر فيهم بلغتنا أثروا هم فينا بعجمتهم فلووا ألسنتنا لياً مثيرا للسخرية، كل هذا واللغة العربية هي اللغة التي تحتل المركز الثالث بين لغات العالم من حيث عدد الدول التي تقرّها لغة رسمية لها، كما تحتل المركز السادس بين دول العالم من حيث عدد المتحدثين بها، إضافة إلى أنها إحدى اللغات الست الرسمية في أكبر محفل دولي وهي منظمة الأمم المتحدة، حتى أضحت اللغة الإنجليزية تلتهم معظم سكان العالم بسرعة شرسة، بسبب أن أهلها مابين عاجز وهاجر. فهل توقد فينا هذه المناسبة الثقافية وهج الفصحى، كي يعود لها دورها القوي كما كان، فنحن نريد لها وجودا عالميا فاعلا، وذلك عن طريق الاهتمام الإعلامي والثقافي اللذين هما جسر الوصول لعقول الأمم الأخرى، لأن اللغة والدين الحصنان القويان اللذان تتحصن بهما الأمم القوية كي تحفظ هويتها من الاندثار أو الذوبان في غيرها ذوبانا مهينا، مضيعا لكل حقوقها الوطنية.