|
تحليل - وليد العبدالهادي :
المستثمر تحول فجأة إلى مضارب بعد أن اكتشف أن خطط الإنعاش لم تكن منعشة لأساسيات الأسواق وهو محق بهذا التصرف (حفظاً لقيمة أصوله) ثم رأينا الأسواق تعانق مناطق قريبة من قممها قبيل الأزمة المالية العالمية ويمكن أن نسمي هذا العام (عام حفظ القيمة) وأمريكياً تميزت هذه السنة بتوفير بيئة مضاربية مجنونة في أسواقها وتمكنت من إعادة GM إلى مقعدها في البورصة، أما منطقة اليورو فجأة تتحول من التخطيط للإنقاذ إلى التخطيط للتقشف وأزمة الصرف أشعلت فتيل حرب العملات وهي حرب إبادة كانت بفعل الدولار، أما بريطانيا لم يسمع لها صوت إلا خلال الانتخابات الرئاسية التي تجاهلتها الأسواق تماما، ولعنة التضخم مع التذمر من نعمة النمو في الصين تم إرهاق ميزان طوكيو التجاري وكانت اليابان الدولة الأبرز التي التزمت بالإنفاق الحكومي كعادتها في التعامل مع الأزمات، ولمزيد من التفصيل دعونا نروي قصصاً مثيرة عن أسواق العملات الأجنبية في 2010م:
الدولار الأمريكي:
بدأ خط مساره خلال العام على التوالي (78-88-75-81) أمام سلة عملاته واضح جداً التقلب الكبير والعام المقبل لديه قمة قد يزورها وهي 86 ويميل للمسار الصاعد أكثر، أما الذهب كان الصعود المستمر عنوانه ولم يتقلب كثيراً وحقق قمة تاريخية عند 1430$ للأنصة ويرجح أن يحقق قمة جديدة في 2011م عند 1580$ للأنصة، وبشأن النفط كان للحمم البركانية في إيسلندا وتعثر دبي العالمية أثر سلبي مؤقت مع بداية العام لكن مع فصل الشتاء القارس اشتعلت الأسعار وزاد اشتعالها لحظة انفجار في أحد آبار النفط في خليج المكسيك ومعظم السنة كانت مخزونات النفط الأمريكية تظهر انخفاض وإستراتيجية حفظ القيمة ونمو الصين المستمر مكن خام نايمكس من الوصول إلى 91$ للبرميل لأول مرة منذ 2008م.
أمريكا نجت من التأثر من قصص تعثر صغيرة (دبي العالمية-اليونان-أيرلندا) وكان الهاجس هو مصير سندات الخزانة الأمريكية المباعة للصين وتقلبت مؤشرات أمريكا ولم تعط اتجاهاً صاعداً في أرقامها بل الركود هو عنوانها واكتظت البلاد بسيولة المضاربين من كل أنحاء العالم لسبب واحد وهو نشاط أسواقها المالية، وأبرز المنعطفات هو تلويح أوباما بقطع الأرزاق باقتراح حول حد البنوك من ممارسة أية نشاطات استثمارية في صناديق التحوط ودفع البنوك للتركيز على نشاطها الرئيسي وهو الإقراض فقط كان بمثابة ثمن خطط الإنقاذ وكان الخطاب يشير إلى طلب الإذعان وليس الحوار مما أعطى انطباعاً بأن سنوات ما قبل الأزمة كانت سنين عسل وولى زمانها مما أفقد القطاع تواجد المستثمرين الحقيقيين فيه، أيضاً تهمة الاحتيال على جولدمان ساكس أرهقت وول ستريت حيث هدد المتهم الحكومة من التهور بأنظمتها المالية الجديدة ويلمح بأنه لو تم فرض أنظمة مشددة على استثمارات البنوك في النظام المالي ستنخفض أرباح القطاع بنسبة 20% لذا رأينا هبوطاً قوياً في المصارف الأمريكية في النصف الأول من العام. وعلى صعيد الشركات تم إعادة GM (صديق العمر) أبرز المفقودين إلى مقعدها في البورصة بأكبر اكتتاب عرفه التاريخ الأمريكي والعالمي كان ذلك أكبر دليل على أن أسواق الأسهم الأمريكية كانت الأنشط والأكثر حيوية استقطاباً للأموال الساخنة في العالم في هذا العام المنصرم.
اليورو مقابل الدولار الأمريكي:
افتتح العام عند 1.43 وزارها للمرة الثانية لكن بضعف مما أعطى انطباعاً حينها بزيارة قاع جديد وهو 1.18 والآن يتداول عند 32. 1 والنمط السلوكي المتشكل حالياً يشير إلى تسجيل قاع جديد وهو 1.09 بعد سلسلة من التقلبات المزعجة بين 1.36 و1.22 خلال العام المقبل.
الجنيه الإسترليني مقابل الدولار الأمريكي:
فاقد للاتجاه طوال العام وافتتح تعاملاته في 2010م عند 1.61 وسجل قاعاً قريباً من قاع 1999م عند 1.42 ويرجح أن يستمر بالتذبذب بين 1.58 و1.42 خلال العام المقبل وداخل مسار جانبي متوسط الأمد لكن لا ننسى على المدى الطويل يستهدف نقطة التعادل وهي لكل جنيه دولار واحد يقابله في القيمة.
الدولار الأمريكي مقابل الين الياباني:
الاتجاه هابط على المدى الطويل أي لخلال بضعة شهور كما أنه هابط على كل المستويات أيضاً لكن طوال العام عكف على إعداد نمط سلوكي شرائي كبير جداً يرجح أن يتم حصاده هذا العام كبداية على طريق الصعود وهذا الزوج قد يكون وعاء للقيمة وقد يشهد اهتماماً كبيراً جداً العام 2011م.
اليورو:
منطقة اليورو تحولت هذا العام فجأة من خطط الإنقاذ إلى خطط تقشف ملأت القارة بعد أن انتشر وباء التعثر السيادي الذي هدد وحدتها والعمر الافتراضي لها، كانت البداية مع اليونان التي أثقلت المدينة الفاضلة بالديون وبعجز وصلت نسبته 12% كان ذلك بسبب خطيئتين الأولى انضمام غير قانوني لدخولها كعضو في المنطقة بتوصية من جولدمان ساكس والثانية الإقراض المهول في أولمبياد 2004م مما هدد جزرها الخلابة وبدأ العالم يتحدث عن رغبة اليونان في بيع بعض هذه الجزر!! لنكتشف أن معظم الأعضاء قد تخطى عجزهم الحد المسموح به وهو 3%، بعد ذلك ارتفعت درجة حرارة المستثمرين في منطقة اليورو وبدأ الضغط منهم على السياسيين للتودد إلى ألمانيا وكانت قائمة التعثر تضم دولاً مثل (اليونان-إسبانيا-البرتغال-إيطاليا-بلجيكا) وسط آمال من دعم الشقيقة الكبرى والأفضل صحياً (ألمانيا)، وبدأت السخرية تحلق فوق سماء المنطقة من كل أنحاء العالم حيث أوروبا القارة الأكثر خبرة وأعمق تاريخاً تمد يدها لصندوق النقد مثلها مثل دول العالم الثالث وذلك طمعا في إنقاذ دويلة صغيرة تصارع الحياة (اليونان) والجدل كان حينها هل ستمد يدها لصندوق النقد لطلب الإعانة أم سيرمي المركزي الأوروبي بحبال الإنقاذ؟ وقتها كانت أوامر البيع بأمر السوق على منصات التداول تتهدد!! حيث أسواق المال لا تؤمن بالضباب، وأخيراً تم التمويل لكن الطامة الكبرى أن من مول كان فرنسا وألمانيا وإسبانيا وبعضهم اضطر بعدها ليعلن عن خطط انكماش جادة.
هذه السلسلة من المخاوف كان ضحيتها اليورو الذي سجل قاعاً تاريخياً وأصبحت المسألة أزمة صرف ومخاوف من أن تكون أزمة مصارف مما جلب للأذهان أزمة النمور الآسيوية 1998م التي أصبحت حاضرة في مخيلة الأوروبيين خصوصاً وأن سقوط اليورو المرعب والاقتراض المتهور من قبل البنوك الأوروبية في العقد الماضي وضعف الرقابة الحكومية المصرفية هي أسباب تعثر أوروبا وهي نفس الأسباب التي عصفت بالنمور الآسيوية مع فارق الأرقام. بعد ذلك شنت الحرب في الأسواق وأصبحت (حرب عملات) ونمت مخالب العملة الخضراء وأدمت الأسواق بصعودها القوي وفعلاً كانت حرب إبادة ونقطة التعادل كانت غاية هذه الحرب لكل عملة تقارعها والجميع اتفق حينها على أن 2010م هو عام (الدولار) وبدأ التذمر من الأوروبيين وتم الرد بكلمة شبيهة لكلمة (الدولار عملتنا والمشكلة مشكلتكم) وهو تصريح يعيده التاريخ إلى الأذهان أمام البنوك المركزية الأوروبية عام 1971م (جان كونالي) وزير الخزانة الأمريكي الأسبق ذكر هذه العبارة بعد تذمر أوروبا من فك ارتباط الدولار بالذهب وكأن التاريخ يعيد نفسه.
وما إن هدأت الأمور حتى قام المركزي الأوروبي بالتحذير من أصول قيمتها 195 مليار يورو قد تتحول إلى سامة مما رفع أسعار السندات عليها كما توقع أن يتم تجنيب مخصصات بقيمة 90 مليار يورو هذا العام و105 مليارات يورو خلال عام 2011م هذا بخلاف ما قيمته 238 مليار يورو التي شطبت في 2009م، ومن أشرس التصريحات هو تحرش منطقة اليورو بصناديق التحوط واستهدافها لهم بالحد من عبثهم في اليورو وهؤلاء من أخطر شرائح الأسواق المالية حيث اللعب معهم مكلف للغاية وآخر ضحاياهم اليورو لكن سرعان ما أذعنت المنطقة لهم بسبب سيطرتهم على الأسواق كانت زلة لسان غبية حينها، وأخيراً المركزي الأوروبي استمر في سياسة التخفيف الكمي وقطع عهد مع المستثمرين بعدم المساس بها ومع اتساع رقعة التعثر السيادي تم الإعلان عن أكبر صندوق إنقاذ عرفه التاريخ بقيمة تريليون دولار وهدأت الأمور تماماً على الأقل نفسياً، وكانت آخر قصة تعثر (أيرلندا) خير دليل على الاطمئنان.
الجنيه الإسترليني:
بريطانيا لم يسمع لها صوت إلا فترة الانتخابات الرئاسية التي لم تستطع تنشيط مسار الأصول ذات العائد المرتفع ولا جيد من لندن سوى تثبيت برنامج الإقراض عند 200 مليار جنيه وتثبيت الفائدة عند 0.50% وقمة جديدة في أرقام البطالة والركود عنوان الاقتصاد الملكي.
الين الياباني:
طوكيو أبرز ما قامت به خلال العام هو رفع برنامج الإقراض للقطاع المالي من 10 تريليون ين إلى 20 تريليون ين المقدمة للبنوك مرهونة بسندات وأوراق تجارية زاد على إثرها المعروض النقدي وامتنعت السيولة من الخروج من أسواق الأسهم هناك طيلة العام، لكن دعونا نركز على الصين حيث بدأت العام بإشاعة أربكت الأسواق حول إمكانية قيامها بإعادة النظر في أصولها المقومة باليورو لكن سرعان ما نفت ذلك لتظهر إشاعة أخرى من مخاوف طلب أمريكا إعادة جدولة ديونها بشأن سندات الخزانة الأمريكية التي باعتها على الصين مطلع الأزمة المالية والمقومة بالدولار خصوصاً لو أعلنت أمريكا عن رغبتها بإعادة جدولة ديونها وعرضت هذا الأمر على الصين ماذا سيحدث للأسواق المالية في العالم أجمع؟ واستمرت لعنة التضخم مسلطة على الصين بتحقيق أرقام جديدة في معدلات الفائدة وأسعار المستهلكين والمنتجين ولم يستطع التنين حتى الآن من كبح جماح التضخم وتحولت نعمة النمو التي أصبحت شراً لا بد منه إلى نقمة بدأ التذمر منها!! طبعا هذا جعل ميزان طوكيو التجاري يتأرجح طوال العام انتهت برقم جديد في معدلات البطالة.
(تم إعداد هذا التقرير أثناء جلسة الأسواق الأوروبية يوم الخميس الساعة 11 صباحاً بتوقيت لندن)