ها نحن نوشك أن نودع عام 2010م طاوياً معه أحزانه وهواجسه وأفراحه وأتراحه, وها هو عامنا الميلادي والهجري الجديد يشرق على واقعنا العربي والإسلامي بوجهه المجهول, وخفايا أحداثه التي لا نعلم ما تخفي قادم الأيام بها من مفاجآت وأزمات اقتصادية, وقلاقل وتفجر وبؤر ومفاجآت جديدة تضاف إلى رصيد مرارة الواقع العربي والإسلامي بل العالم بأسره.
ها هي أيام السنة الهجرية أيضا قد طوت ساعاتها وأيامها والعالم يترقب نهاية جيدة لملفاته الساخنة، وبداية خضراء بإذن الله في عامه الجديد تبعث آمال وأحلام وتطلعات وطموحات، ربما يصطدم بعضها بجدران الصمت، أو السلبية، أو الاستحالة، ربما بفعل فاعل ليس بالضرورة أن يكون (الآخر) وربما بفعل صيرورة حياة بات من المؤكد أننا - كعرب ومسلمين - لا نملك من أمرها شيئاً.
عام جديد أشرق إذاً.. مثلما أعوام (عديدة سابقة) مرت، وانقضت، بحلوها ومرها وأفراحها وأحزانها، بحروبها ونزواتها وعنفها، بحلول تباعدت، وجعلت من مجرد اليوم الأول صفحة بيضاء من غير سوء، ثم تلطخت بعد أيام وشهور بسواد ودماء الأحداث وأزمات اقتصادية عالمية، وتكرر نفس المنوال الحزين المؤلم:
- قتل وانقسام وعدوان وتآمر في فلسطين العزيزة المحتلة. وحصار على غزة.
- ترويع واحتلال ومستقبل مجهول في العراق الشقيق. حيث أضحى العراق مرتعاً لحرب انتقامية طائفية وتصفية حسابات سابقة تأكل الأخضر واليابس في أتونها ويغذي لهيبها واقع الاحتلال المرير.
- أزمات وخلافات أصابت الواقع المر بالشلل.
- وفي فلسطين المحتلة تذهب أعوام ويأتينا عام ونحن نتجرع مرارة كأس التطرف والإرهاب الإسرائيلي المؤلم المدعوم من أضخم بلدان العالم وأعتاها في صنع القرار الدولي.
- وتمزق وتشتت وعصابات وقرصنة في الصومال.. وغيرها من مناطق السخونة والقلق الآخذة في التأزم والامتداد السلبي سواء على مستوى الأزمة أو مداخل معالجتها.
والسؤال الذي يمكن أن يطرح هو: هل استعاد الإرهاب وقوى الشر المتحالفة معها زمام المبادرة التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين وفقه الله؟ وهل أعادت تأهيل قدراتها لبسط نفوذها على المناطق المضطربة؟
شهد عام 2010م ازدياداً في العمليات الإرهابية والمنظمات الإرهابية المتحالفة معها وعمليات قرصنة في البحار، مما وضع العالم على شفير الفوضى والخراب والتدمير.
وأكثر الأحداث دموية حدثت في البلدان العربية والإسلامية، وترافقت الهجمات العدمية مع نمو متزايد لخلايا التجنيد، وحضور قوي لإعلام الإرهاب التدميري وأنصارهم، مما زرع الفوضى والاضطراب في دول مثل العراق وباكستان والهند...
عام شهد عمليات إرهابية كبيرة، عجز فيه الساسة والقادة عن الحلول الجذرية، وربما يكون العام المشرق الجديد أكثر وطأة على المسلمين، إذا لم يتم بناء تحالف قوي ضد قوى الإرهاب. وأن نواجه كعلماء وحكام ومحكومين واقتصاديين ومثقفين ومفكرين وإعلاميين مهنيين وصحفيين وكتاب وتربويين وأسر ومصلحين ومواطنين ومسلمين الأمر بجدية ومحاسبة للنفس وتفان أكبر وأكثر، وإذا لم نجنح للحوار والسلم كخيار لبناء الأمم وتقدمها واستقرارها وإسعادها ورخائها، وإذا لم نحارب الإرهاب في كل شبر على بقاع الأرض، وهذا يقودنا إلى حقيقة أننا لا نستطيع أن نحل جميع مشاكلنا جملة واحدة وأنه ليس هناك حلول لكل المشاكل لكن علينا أن نفكر بطريقة حوارية هادئة بناءة هادفة ومصداقية وإفصاح ووضوح وشفافية صحيحة وسليمة ومحاسبة للنفس وواقعية، وأن هناك خطوطاً متوازية السلاح والحوار يسيران جنباً إلى جنب، فكما نرفع سلاح القوة في وجوه البغاة من الإرهابيين فإننا بالمقابل نفتح باب الحوار والشفافية والمناقشة الهادئة البناءة الصادقة والمناصحة معهم وعزلهم عن محيطهم الضال.
العالم كله يمور في دائرة الملفات الساخنة، وطبعا تجيء منطقة الشرق الأوسط في مقدمة المناطق الساخنة فمن أفغانستان و مرورا بإيران وأزمتها النووية ، والعراق وصراع الإخوة الأعداء وهواجس التقسيم والاغتيالات وفلسطين مرضنا العضال الدائم المستفحل من عشرات السنين. أجل هذه حالة المواطن الشرق أوسطي في عامه الذي قد رحل، وهي حالته أيضا وهو يقف منتظرا بشائر العام الجديد وإشراقاته بإذن الله. لذلك فإن الأمل والرجاء بالله سبحانه وتعالى يتمثل في حل واحد ووحيد، يجب على كل العقلاء تبنيه والدفاع عنه وهو أمل السلام والتصالح والحوار والشفافية والمصداقية ومحاسبة النفس ونبذ العنف وعدم تصعيد الاختلاف إلى خلاف معقد، الأمل يتمثل في تبني دعوات ومبادرات خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - الصادقة إلى العودة إلى القيم الإنسانية في التعايش والتصالح وبث روح السلام التي دعت لها كل الأديان السماوية في مبادئها الأساسية.
أجل دعوة خادم الحرمين الشريفين التي جاءت مكرسة للحوار الهادئ والسلام في مفهومه المطلق، ودعوته لحل جذري لكل الأزمات، والتي تتبنى الروح الواعية المدركة بأهمية التصالح مع الآخر، ونشر قيم السلام وبث روح التصالح من أجل عالم أكثر طمأنينة وسعادة ورفاهية وبناء ونماء وازدهارا..
وبين كل هذه الأزمات المتتالية لا يملك المواطن العربي والمسلم سوى أن يرفع يديه إلى ربه بحثاً عن ملجأ أو مخرج، وكأن تكالب الأحداث على الأرض أصبح قدراً مفروضاً أولا غنى عنه في أي وقت من الأوقات.. ولو سألنا أي مواطن عربي في أي شبر من أي حي عربي في المشرق أو المغرب، في الشمال أو الجنوب، لرأينا السؤال الأزلي: متى تصحو وتخرج الأمة من كبوتها وسباتها العميق؟ وهل يمكن أن يحمل عامنا الجديد الذي قد أشرق أملاً جديداً؟.
صحيح أن الحرائق تشتعل في كل مكان، والتهديدات لا تغادر أحداً، لكن لا نريد أن نكون متشائمين، أو نشخص الحالة كالميئوس منها، قال الله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} فالتاريخ يعلمنا أن النهايات السعيدة لا تأتي إلا بعد أحزانٍ عسيرة، وأن مخاض الأمم الحقيقي يأتي بعد اكتمال درب الأشواك، وأنها إذا استحكمت وضاقت حلقاتها فرجت بإذن الله، ولأننا رغم كل ما حدث ويحدث لم نصل بعد إلى مرحلة نهاية الألم، كأن علينا أن نكتفي بالنظر إلى أعلى، ننتظر من الآخر أن يتولى المهمة بالنيابة عنا دون أن نحاسب أنفسنا.. فنلقي أوزارنا على أوهام المؤامرات دون أن نتقدم خطوة لحلها.. نكتفي بعقد المؤتمرات.. وتبادل التهاني والتبريكات.
سائلين الله أن يوفق الجميع للهداية لنصرة الحق لتسعد البشرية بأسرها في أرجاء الدنيا.
وكل عام والجميع بسعادة وصحة وعافية وخير وازدهار بإذن الله.
مستشار قضائي وأستاذ أكاديمي وعضو التحكيم والمصالحة وكاتب