يزداد تقديرنا للتطورات في منجز الإنسان في جانبه الموجب، ويزداد التقدير أكثر لمن يسخر هذا التطور لمشروعه، وجريدة الجزيرة في طفرتها الأخيرة سخرت الإمكانات الفنية والتقانية لإنجاح مشروعها في الانتشار, وعنه الوصول للقارئ في اللحظة ذاتها لصدور آخر طبعة في نشرتها، مما عزز سرعة التلاقي بين القارئ والكاتب، وبين الخبر ومتابعه، وبين الحدث والتعريف به,.. مما يساعد على إنجاح أهداف المصدرية في النقل, والإبلاغ، والإعلام، ومن ثم في تبادل الأفكار والرؤى بين الجريدة بكتابها وأدبائها، ومحرريها ومخبريها ومصوريها وبين القارئ المتلقي، فصناعة النشر لا يتحقق لها أي نجاح على أي نهج تتخذه، وبأي مستويات فنية وتقانية ومادية في صناعتها، ما لم تستطع تكوين رصيد كبير من قرائها، وإلا تغدو كالثمرة في شجرتها إن لم تقطف وتؤكل، تفسد وتبور.., فالقارئ عصب مهم في تركيبة شبكة كيان الصحيفة..
منذ أن تقدمت الجزيرة خطوات واسعة في نسختها الإلكترونية، مواكبة مع تطوراتها الأخرى، وأنا أراود رغبة في الثناء على ما تجهد من أجله هذه الصحيفة، لتكشف مرحلتها الأخيرة تحقيقا لأهداف جاءت مع مرحلة عودة قيادة خالد المالك لها منذ أحد عشر عاما، إذ عودته منعطفا محركا لحماس الخلية لهذا المشروع الكبير الممتد «الجزيرة».., وهاهو عسل الطموح يقطر..
ولعل أول من يسعد بهذا من ضمن من يسعد هو الكاتب.., ذلك لأن ما يجده من تبادل القراء معه في طرح الفكرة، وتقليب النظرة، ونقل القناعة، ومناقشة الاختلاف، في وقت يسبق قراءة الكاتب نفسه حروفه في الصحيفة، فيجدهم يستقبلونه بما يرون، على اختلاف مشاربهم وروآهم، ومستوياتهم الفكرية، مما يعزز الإيمان المطلق بقيمة القارئ معهم يكون أو عليهم..
هذا التحديث في آلية النشر، والتطوير لإمكانات التبادل، والتيسير على القارئ للوصول السريع، إنما يزيد من مسؤولية القارئ بمثل ما يزيد من مسؤولية الكاتب، إذ يضعه في خط التساوي في أمانة الكلمة ومصداقية الدافع لما يقول...
أذكر أن خلافاً في وجهات النظر بين فريقين من الكتاب والمحررين بل رؤساء التحرير في أمر إجابة الكاتب لما يقدم القارئ بدعوى أن إفراد مساحة في الرد على القراء إنما هو شغل لمساحات الجريدة، لذا يوجد الكثير من الكتاب ومنهم أولئك في مقاعد المسؤولية التحريرية أو القيادية، تجدهم لا يفردون بل لا يتبادلون النقاش مع قرائهم، ولم أكن منهم على الإطلاق، فالقارئ عندي يتصدر في الأهمية ما تحمله أهمية أمانة الكلمة التي أرسلها.. لذا خصصت الأعزاء قرائي بيوم الاثنين ألتقي بهم، وأناقش حروفهم، وأتقبل اختلافهم، وأرتضيهم حكما لما أكتب، وأسلم كلماتي أمانة للأصغرين فيهم، عقولهم وقلوبهم، وأفعل المثل مع كل كلمة تردني منهم على مدى عمر هذه الزاوية...
هذا منهاج لا أحيد عنه..غير أن البريد الورقي للجريدة الذي كان يحمل عشرات التعقيبات منهم، قد تقاطر عن وسائل عديدة كثرت سبلها، وازدادت بازدياد انتشار الجريدة، وتضاعفت قوائم القارئين المعقبين يوميا بما جعل مناقشة كل واحد من الأعزاء ضربا من التعجيز..
وبقدر امتناننا من هذا التحديث والتطوير في وسيلة التواصل وسرعته وإمكاناته، بل متاحاته، التي تجعل الكاتب يتعامل مع طيوف افتراضية، هم في تقديري لا يختلفون تقديرا عن أولئك الواضحين القادمين بأسمائهم.., إلا أنني آسف لقرائي الغالين أن نعجز عن الوفاء لهم، بمناقشة كل تعقيب على انفراد.. ذلك لأن الحيز في هذا الموقف سحب منا قدرة الوفاء لكل واحد منكم.. والجميع له حق في ذلك..
أعزائي: أشكركم جزيلا لكل حرف تكتبونه، ولكل وجهة تبسطونها، ولكل لحظة من أوقاتكم تهبونها لهذا الحيز من مساحات الجزيرة، المنتشرة بكم، الناجحة بوجودكم، التي ترتفع فيها نسبة الحماس للمزيد من التطوير بفعلكم، تتناولونها ورقيا، أو تتصفحونها إلكترونيا.., وبذل حروفكم ترضون فتتفضلون.., أو تختلفون فتناقشون.., ذلك والله الثواب الذي نريق من أجله أحبارنا...
ولأننا معا.., يليق بنا تهنئة الجزيرة لتطويرها الأخير، فقد مهدت لنا سبل التبادل والتقدير... ولأنني معكم، أقدركم، وهذه المساحة مشرعة بكل الصدق لكم فردا وطيفا وحرفا ورأيا... تزيدونني خبرة، وتشرعون لي فضاء للتأمل والاكتشاف.