ارتبط اسم الطائف في ذاكرتي بالجمال في كل شيء، كيف لا وهي المدينة التي عشت طفولتي فيها وتعلّمت فيها حتى الثاني المتوسط، ولا تزال لها في القلب منازل.
مناط الحب كان الارتباط بأبي - رحمه الله -
فقد كان ضابطاً في الجيش، قضى وقتاً طويلاً في الطائف، ومثار النقع أيضاً أنّ زوجي - حرسها الله - طائفية المولد والتربية والجمال.
ومدارات الحب للطائف أيضاً، أنني عرفت فيه عينات عشوائية من الأهل والعشيرة بنات وأبناء وطني، من أقصى الشمال والجنوب والشرق والوسط والغرب.
وارتباط الطائف في وجدان الوطن السعودي منذ بدايات التأسيس لكياننا الوحدوي العظيم الذي سار به الملك المؤسّس الموحّد عبد العزيز - غفر الله له - مع كوكبة من روّاد أجيال التأسيس من الآباء والأجداد، هو ارتباط متعدّد الأطياف والألوان والمذاقات، بما جعل للطائف أرضاً وإنساناً، سبقاً في الأولويات الجميلة في إرساء دعائم أركان الوطن السعودي.
اختار الملك المؤسّس البقاء في الحجاز أطول مدة من تاريخ حياته في العمل للبناء المؤسّسي لمؤسسات الدولة - الحكومة، ولمّ حوله عقولاً مبدعة من إرجاء الوطن العربي أسهمت في تقديم الرؤى والآراء، في الوقت الذي جلب بالقوة أطفالاً من أرجاء الوطن السعودي ليدخلهم منارات العلم، فكانت دار التوحيد معلماً تربّى فيه وتعلّم من تسنّم مقامات متعدّدة في الارتقاء بتوطين خدمة الكيان في البدايات، حيث تشرّبوا وطنية الانتماء والإنماء. وارتضى الملك الوالد المؤسّس الطائف مقراً صيفياً حتى توفي بها مجتمعاً مدنياً راقياً تعايش فيه الناس عملاً وتعاملاً أنتج ارتباطاً بالأرض، فكانت ولا تزال باباً لمكة المكرمة حجاً ومحجاً وحاجات، فهي المدينة المثال التي انصهر فيها السعوديون من كل أرجاء الوطن الكيان. ونقطة التجوّل العظمى كانت صوابية رؤية وبُعد نظر الراحل العظيم، في أن تكون الطائف هي مدينة الجيش، الذي كان النواة في صهر أبناء الوطن في انضباطية الولاء لله والوطن، دون قبلية أو مناطقية أو تمايزات سوى الولاء لله وبناء الوطن.
حسبما تقول به بعض مصادر التاريخ، كانت الطائف هي المدينة المقر للنواة الأولى لإدارة الجيش العربي السعودي عام 1348هـ، حين كان أول تشكيل للمشاة النظامية، ثم تأسيس مديرية الأمور العسكرية، وأول التشكيلات لفوج المشاة وفوج المدفعية وفوج الرشاشات.
وفي عام 1349هـ بلغت القوات النظامية حداً اقتضى تشكيل وكالة للدفاع، بجانب مديرية الأمور العسكرية، التي شكّلت الجيش إلى ثلاث وحدات رئيسية، وهي المشاة والمدفعية والفرسان.
وفي عام 1364هـ شُكلت فرق تدريب المشاة في الطائف، لتدريب الجيش تحت مسمّى «فرق التدريب الأولى» واستمرت بهذا الاسم حتى عام 1367هـ، حيث تطوّر تشكيل هذه الفرق تدريجياً في مناطق الوطن، حتى تكامل العقد اليوم لتكون الطائف مقراً لكلية الملك عبد الله للدفاع الجوي الحرب الإلكترونية ومقراً تدريبياً لكثير من القطاعات العسكرية من أفرع القوات السعودية الباسلة.
صارت الطائف مقراً لأغلب إدارات الجيش مستودعات وأسلحة ومدارس تدريب وثقافة وتعليم، ولا أظن أنّ عسكرياً أياً كانت رتبته في قطاعات قواتنا المسلحة الباسلة إلاّ وله ذكرى جميلة في الطائف.
من كل ما سبق، فإنّ الطائف مدينة التنوير والرُّقي والتحضُّر، ففيها امتزجت أطياف من منابت وأعراق فكوّنت مجتمعاً مدنياً راقياً، تعايش فيه الناس عملاً وتعاملاً أنتج ارتباطاً بالأرض.
بعد هذا هل لي، وأنا طائفي الحب للوطن الجميل، أن أتساءل هل أصاب الطائف ما يستوجب أن نسأل فهد بن معمر ابن الطائف عن معنى الحب للطائف، فربما سجّل له أبوه بعضاً من تصوّرات بدايات الغرس، اسألوا بنات الطائف عن مغاني غديرهن ومسارح الجمال في المثناة وجبل السكارى، والردف والعقيق والهدا وديار أم النبي حليمة السعدية وحارة البخارية وأم خبز، وعزوتي يا أهل الطائف يا أهل التنوير والحب.
اسألوا مرابع سوق عكاظ، فرايات الإبداع فيها ترفرف بصحوة رائدة تطوي سنوات من غمط الحق وإغفال مساحات وساحات للفكر والتطوير، وهنا تأتي هندسة فكرية رائدة من أمير مكة خالد الفيصل الذي وُلد في مكة مدينة السلام، وتربّي ودرس في الطائف مدينة الجمال والأحلام.