علي وذو الفقار شابان من اليمن السعيد، لكل واحد منهما قصة وقدر لا يشبه الآخر إطلاقاً, رغم أنهما عاشا سنين طفولتهما الأولى معاً، وكانا يتشاركان هوايتهما المفضلة (كرة القدم) التي كانا يلعبانها في الحديقة المتواضعة بالقرب من حيهما السكني, ولكن مضت الأعوام سريعاً وكل واحد منهما نشأ وتشبع ومضغ مراراً مبادئ وآراء اعتقد أنها الأفضل؛ فأصبح ينظر للآخر المختلف عنه نظرة فيها من الشك والريبة الشيء الكثير، فمن هو علي؟ وكيف هو ذو الفقار؟!
علي: شاب يمني يبلغ من العمر 23 عاماً، هو ثمرة زواج هادئ ومستقر لزوج مكافح وأم محبة, يعمل أبو علي في قطاع التعليم، في حين تجلس أم علي في المنزل لرعاية شؤونه. كبر علي وهو يرى في والده المثال المشرف للأب العصامي الذي يحب وطنه ويعشق ترابه ونسيمه ويكافح لخدمته ومواطنيه. كان أبو علي بمثابة صديق حقيقي لابنه؛ يسمع أفكاره وأخباره, يناقشه في آرائه وقناعاته الغضة, يصحبه في رحلاته للصيد أحياناً، ويلعب معه كرة قدم (الهواية التي يعشقها علي ويمارسها أو يتابعها بشغف واهتمام). برزت موهبة علي بقوة في كرة القدم؛ فانضم لأحد النوادي المتواضعة في اليمن، ولفت انتباه الجميع لموهبته الواعدة في الكرة وفي العزف والرقص على المستطيل الأخضر؛ فتمريراته التي عادةً ما تصيب الهدف, وتسديداته التي نادراً ما تخيب, أهّلتاه لأن ينضم إلى المنتخب الأول في بلاده، وأصبح نجماً لا تزيده الأيام إلا بريقاً وشعبية في يمنه الحبيب.
أما ذو الفقار، وهو يمني أيضاً، فله حكاية أخرى؛ فهو الذي عاش سنوات طفولته الست الأولى دون أن يرى أباه؛ فتولت جدته تربيته والاهتمام به في غياب والده, بعد أن كرهت والدته الحياة مع والد ذي الفقار الرأس المدبر والعضو الفاعل في إحدى الجماعات الإرهابية ذات النفوذ والسيطرة التي تشكّل مصدر رعب وهلع للوطن والمواطن اليمني البسيط؛ فكان بحكم عمله كريماً في الغياب, ولكن وبعد فترة من الزمن قرر والد ذو الفقار أن ينتقل ابنه للعيش معه؛ فلطالما تمنى أن يكون خليفة له في الجماعة؛ فعاش طفولته بين البنادق والقنابل والجحور, واستنشق رغماً عنه هواءً مشبعاً بالحقد والغل, وأصبح يلعب بالرصاص والنار بدلاً من الكرة التي أحب، وأصبح يتقن الإرهاب ويمتهنه، الشيء الذي لم يرده يوماً بل أجبر عليه حين لقنه والده العنف والشراسة فورّثه إرثاً ثقيلاً مكلفاً دون أن يعرف لماذا يفعل والده ورفاقه ذلك؛ فهو كان يحلم بأن يكون نجماً كروياً يضاهي موهبة مارادونا، يهز الشباك والجماهير، ويقود فريقاً عالمياً، ولكنه لم يعرف يوماً أن هناك قدراً آخر بانتظاره.
المهم قوله.. إن العملية القادمة للجماعة السوداء التي انتمى لها ذو الفقار، والمتمرسة في زعزعة السكينة والسلام، والمتخصصة في قتل الفرح والسعادة والطمأنينة في مهدها، تستعد لعملية كبرى خططت لها طويلاً، وعدّت لها العدة والعتاد، وهي استهداف بطولة لكرة قدم تُقام للمرة الأولى في أرض اليمن الشقيق, بطولة ستنعش البلاد وتحقن الفرح والحماسة في عروق الوطن, هي أكبر من مجرد حدث رياضي يُقام بل هي حلم وشرف لكل يمني مخلص تحضر بحب لاستقبال الوفود والجماهير, قطاع الاتصالات والنقل يطور من أدائه استعداداً لها, فنادق ومطاعم جديدة تُبنى من أجلها, اقتصاد بلد كامل يتطور ويزدهر بها. حلم علي وغيره الكثير من اليمنيين أوشك على التحقق, وحلم غيرهم بالتدمير والتخريب والتخويف قد بدأ..
كم هو عجيب أمرك أيتها الحياة! نولد في هذا العالم كورقة بيضاء نكتبها نحن كيف شئنا فيملؤها البعض بكلمات السعادة والحب, ويشوهها البعض الآخر بالسواد والدم..
كيف يمكن أن تكون أحلام البشر بهذا التفاوت المرعب؟ كيف ممكن أن يكون حلم أحدهم أن يرسم الفرح ويصنع الشرف لبلاده حتى وإن كانت عبر كرة لا أكثر, وأن يكون حلم البعض الآخر بقسوة التدمير ونية التعكير عبر طلقة لا أكثر؟
علي وذو الفقار استلقيا تحت سماء واحدة يوماً بأمل أن يصبحا نجمَيْ كرة في مجتمعيهما, تفرقا، وعاكست رفيق طفولة علي الظروف حين ظُلم بأب ظالم لا يرى في ظلمة فكره وقلبه ظُلمه.. فكم من ذي الفقار صنعت أيها الإرهاب! وكم من المجازر الإرهابية ارتُكبت باسمك أيها الإسلام! الجواب مؤلم حتى العظم.
ملاحظة: علي ورفاقه في المنتخب يحرزون نتائج جيدة في البطولة, وذو الفقار يستعد لاستخدام الحزام الناسف في تفجير نفسه قريباً لتدمير وسحق نعمة السلام دون أن يؤمن أو يعرف لماذا هو يفعل ذلك بوطنه وبنفسه!
نبض الضمير: ?لا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون، إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار?.