لم يغادر ذاكرتي ذلك الموقف الذي شاهدته ذات صيف سعودي ساخن، وافد ضخم الجثة (عريض المنكعين) على رأي مسرحية شاهد ما شفش حاجة، يقف بثقة متناهية أمام مدرسة بنات ابتدائية في وسط الطريق بسيارته ال(بوكس) المهترئة من أثر عوامل التعرية، ثم يفتح باب سيارته الخلفي ويستعجل بعض التلميذات في الركوب بسرعة في (الدبة)، ويتطوع في حمل التلميذات المتأخرات ويزج بهن في سيارته بطريقة تذكرني بسوق الغنم! أي والله هذا ما حدث أمامي، وتساءلت عن سبب ركوبهن في مؤخرة السيارة، ثم جاء الجواب بقدوم عدة معلمات وركب الجميع في هذا الحر والزحام، وتخيلت أشياء كثيرة لا داعي للتذكير بها.

هذا المشهد يتكرر كل يوم أمام مدارس البنات في المملكة، وأنا أراهن على ذلك، والسبب بسيط جداً، حيث إن وزارة التربية والتعليم وفرت نقل مدرسي (لك عليه) للتلميذات، ولكنها لم توفر نقل للمعلمات.

فماذا تفعل معلمة ليس عندها من يوصلها للمدرسة، هل تدرس من منزلها على طريقة التعليم عن بعد؟ وحتى لا نكون مبالغين لأن هناك من يقول هؤلاء المعلمات اللاتي لا يجدن من يوصلهن، فنقول حتى من تجد من يوصلها للمدرسة قد تضطر للسائق، فالزوج أو الابن قد يعترضه عمل طارئ أو سفر وخلافه، لذلك نقترح على وزارة التربية والتعليم استحداث نقل للمعلمات برسوم مالية، حيث تضمن المعلمة تطبيق قواعد المرور والسلامة وتكون في مركبة محترمة على الأقل، ويمكن أن تطرح الوزارة الأمر على المواطنين للاستفادة من هذا القرار في خلق الفرص الوظيفية، بدلاً من أن تركب المعلمة مع وافد أو سعودي بسيارات غير مؤهلة ومع قائدي مركبات غير مرخص لهم يسابقون الزمن من أجل الظفر بأكثر عدد من الركاب، ونحن نتساءل مرة أخرى، هل ركوب المرأة مع سائق أجنبي يعد خلوة شرعية؟ أين الهيئة عن هؤلاء؟ أما المرور فلن أتساءل عنهم، وأكثر رجال المرور في الصباح الباكر يقومون بأعمال أخرى ليس لها علاقة بالمرور، ولا أدري كلما مر بجانبي سائق غير مرخص له، وشاهدت في الوقت نفسه دورية مرور أردد دون أن أشعر شاهد ما شفش حاجة! ما أثارني لكتابة هذا الموضوع هو التصريح الذي قرأته في صحيفة الرياض (الأربعاء 13-10-1431هـ) لمدير المرور حيث يقول الخبر: «وأكد مدير الإدارة العامة للمرور اللواء سليمان بن عبد الرحمن العجلان أن هذا الإجراء (يقصد السائقين غير المرخص لهم بنقل المعلمات والتلميذات) يعد مخالفة مرورية منصوص عليها في نظام المرور من (خلال استعمال المركبة لغير الغرض الذي رخصت من أجله)، والتي تقدر عقوبتها بغرامة مالية من 300 ريال إلى 500 ريال مع حجز المركبة حتى إزالة المخالفة، وينظر في حجب سداد تلك المخالفات لإلزام المخالف بمراجعة إدارة المرور لعرضه على هيئة الفصل أو المحكمة المختصة بطلب حجز المركبة».

لاحظوا أولاً أن العقوبات غير رادعة، فمبلغ 500 ريال يستردها السائق بمشوارين، والأمر الثاني لم نشاهد يوماً ونحن نخرج أولادنا وبناتنا من مدارسهم كل يوم أن المرور أوقف سائقاً غير نظامياً وخالفه، فهذا الأمر يحدث علنياً، وكأن المرور بهذه التصريحات لا يعلم عن ما يحدث في الشارع على رأي المثل «العيار اللي ما يصيب يدوش».

يا سعادة (المرور)، كونوا شاهدين على ما يحدث في الشوارع، واحموا الأطفال والبنات من هؤلاء المتهورين غير المرخص لهم بالقيادة وبنقل المعلمات، افعلوا ذلك من أجلهم ومن أجلنا بدلاً من تكرار سيناريو مسرحية شاهد ما شفش حاجة.