يتم عادةً سن القوانين وإيجادها ووضع آلياتها وطرق تنفيذها من أجل تنظيم عملية ما تهتم بمصلحة المواطن سواءً أكانت بشكل مباشر أم غير مباشر،
وعندما يتم إدخال خدمة جديدة تمس حياة المواطن بشكل مباشر يكون هناك ثمة قوانين جديدة لتنظيمها وتنسيق إجراءاتها ووضع آليات استخدامها وتطبيقها من أجل تقديمها للمواطن بشكل يسير ومريح فضلاً عن خدمة القائمين على تقديم تلك الخدمة وتنظيم عملهم.
التأمين الإلزامي للمركبات إحدى تلك الخدمات الجديدة التي تم تقديمها للمواطنين مؤخراً ومرت بمراحل عدة مختلفة في إلزاميتها ومدتها ونوعيتها، ففي البدء كان التأمين مطلوباً على قائد السيارة ولا يتم تيسير إجراءات تخصه وإنهائها إلا بعد التأكد من حصوله على التأمين وتغطيته له، ثم تطور الأمر واختلف ليصبح التأمين إلزاميا على المركبة وليس على المالك أو قائد السيارة وأصبحت جميع إجراءات المرور الخاصة بمالك المركبة مرتبطة ومتوقفة على وجود وثيقة تثبت قيامه بالتأمين على المركبة ولو في حدها الأدنى وهو التأمين ضد الغير الذي يعني أنه في حالة وقوع حادث تصادم على المركبة مع مركبة أخرى تقوم شركة التأمين بتغطية تكاليف إصلاح سيارة الشخص الآخر الذي وقع عليه أضرار ذلك الحادث.
لاشك أن المرور قد أحسن صنعاً من خلال فرض التأمين الإلزامي على المركبات، على الأقل في عدم ضياع حقوق المواطنين حينما يتهرب الشخص المخطئ من دفع تكاليف إصلاح السيارة التي أحدث فيها تلفيات أو حتى من ضياع حقوقهم فيما لو كان الشخص المخطئ وافدا لا يستطيع دفع تكاليف الإصلاح، وأحسن بذلك صنعاً أيضاً لتجنيب تكديس الموقوفين ممن لا يستطيعون إصلاح السيارات التي تسببوا في إحداث تلفيات بها.
وأحسن المرور أيضاً صنعاً في إيجاد مصادر رزق لكثير من المستثمرين الذين بادروا لتأسيس شركات تأمين كثيرة وعديدة لتغطية حاجة المواطنين من التأمين، لكن تظل المشكلة قائمة في قوانين التعامل مع تلك الشركات وخصوصاً حينما يكون المواطن هو المتضرر جراء ما حدث لمركبته من تلفيات.
معظم تلك الشركات تسوف في عملية دفع التعويضات اللازمة للمتضررين من مواطنين أو مقيمين، يقومون بإرسال المتضرر الذي تم تحويله من المرور إليهم لأخذ حقه وإصلاح سيارته، يقومون بإرساله إلى جهات عدة لتقدير تلفيات سيارته في طريقة فظة وكأنهم هم أصحاب الفضل عليه، وكان الله في عونه إذا كانت مركبته لا تصلح للسير فعليه أن يحملها على سيارة نقل والدوران بها في مراكز التقييم ومن ثم إعادتها ودفع تكاليف نقلها، والويل والثبور له إن كان تقييم تلك الورش أو المراكز غير مناسب لموظف شركة التأمين الذي يبادر إلى الطلب منه من جديد أن يحصل على تقييم آخر لتلفيات مركبته من جهة تقييم أخرى لعل تلك الجهة تقدم تقدير للإصلاحات بقيمة تقل عن ما تم تقديمه من الجهات أو المراكز السابقة، وعلى المسكين أن يحمل سيارته مره أخرى والذهاب بها إلى الجهة الأخرى وإعادتها ودفع تكاليف نقلها، وإذا ما اقتنع موظف التأمين بالقيمة صرخ في وجه المواطن طالباً منه العودة بعد خمسة عشر يوماً لتحصيل قيمة إصلاح سيارته.
لا أنكر على المستثمر حقه في الحصول على الربح ولا أطالبه بأن يتبرع للمواطن من جيبه بتكاليف إصلاح سيارته، لكني في الوقت ذاته أطالبه باحترام المواطن وعدم نسيان أن ما سيدفعه له من تعويضات لإصلاح سيارته قد حصل على آلاف الأضعاف منه من خلال وثائق التأمين التي تحررها شركته يومياً وبشكل إلزامي على المواطنين.
وأطالب الجهات الرسمية ممثلة بوزارة التجارة والمرور أو أي جهة أخرى لها علاقة بالأمر بأن تنهي تلك المعاناة من خلال إجبار شركات التأمين على اعتماد وكلاء السيارات كمقيمين لتلفيات السيارة، وإجبار شركات التأمين بضرورة دفع مبلغ التعويض في وقت لا يتجاوز اليومين على أكثر تقدير على أن يشمل ذلك تكاليف نقل السيارة إن كانت بحاجة لنقلها بسيارة أخرى للوكيل.
لايمكن أن نلزم المواطن بأمر ونقوم بوضع قوانين تخدم المستثمر ولا تخدمه هو، إن أردنا فعلاً خدمات مميزة وانضباط من المواطن بضرورة تجديد وثيقة التأمين لديه فلنقدم له على الأقل خدمة تستحق أن يلتزم بها ويشعر أن قوانينها تخدمه هو كما تخدم غيره.
إلى لقاء آخر