تساءلت مذيعة «قناة العربية» منتهى الرمحي إن كنت أقصد بالتمويل الإيراني للجماعات الإرهابية في الخليج؛ ومن بينها جماعة الحوثيين المتسللة إلى السعودية؛ الدولة، أم المؤسسات الدينية والجمعيات الخيرية الإيرانية؟؛ ذكرت حينها ألا فرق بين الدولة، والمؤسسة الدينية المسيطرة على مجريات الأمور، فتمويل الجماعات الإرهابية في الخارج لا يمكن أن يتم إلا من خلال الاستخبارات، الجيش الثوري، وربما السفارات.
سؤال المُذيعة «الرمحي» كان على علاقة بمقالة نُشرت في الجزيرة بعنوان «تمويل القاعدة والحوثيين»؛ جاء فيها ما نصه: «نجحت إيران، خلال ثلاث السنوات الماضية، بإغراق الجماعات الإرهابية بالأموال (النظيفة)، ومنها أموال (الخمس) التي يُفترض أن توجه للفقراء. استغلت الجماعات الإرهابية تلك الأموال لشراء السلاح، من السوق المحلية المزدهرة، وتكديسه في مناطق نفوذهم المتاخمة للحدود السعودية... كشفت السلطات اليمنية عن مخازن أسلحة إيرانية الصنع، ووجود أعضاء من الجيش الجمهوري الإيراني في المناطق القتالية يؤكد الحضور الإيراني القوي في صعدة، والأهداف الصفوية الإستراتيجية في المنطقة. القيادي السابق في تنظيم القاعدة «محمد العوفي» أكد أيضاً على أن أفراداً من الحوثيين عرضوا على أفراد القاعدة أموالاً ضخمة بالتنسيق مع دولة أجنبية؛ وهي في الغالب «إيران».
السلطات البحرينية أعلنت في شهر أغسطس الماضي عن تفكيك شبكة تنظيمية سرية، وإحباط مخططاتها الإرهابية التي استهدفت «المساس بالأمن الوطني، والإضرار باستقرار البلاد، والعمل على ديمومة العنف واستهداف الأبرياء وتخريب الممتلكات العامة والخاصة». وأكدت السلطات البحرينية أن الشبكة الإرهابية تضم مجموعات محددة الأهداف من بينها المجموعة المسؤولة عن «توفير الدعم المالي من مصادر في الداخل والخارج تحت غطاءات متنوعة من تبرعات رجال أعمال، وتجار، أو الأموال المتحصلة من الخمس».
على الرغم من إعلان البحرين عن علاقة الشبكة بأطراف خارجية، إلا أنها نفت وكعادة الدول الخليجية، وجود ارتباط بين الشبكة التنظيمية الإرهابية وإيران!. إيران محظوظة بجيرانها العُقلاء، الذين يجتهدون لإطفاء نيرانهم الداخلية المُشعلة من الخارج، بصمت، وحكمة خشية التطورات العنيفة، وليتها تتعامل بعقلانية مع ما يصدر من جيرانها على الضفة الأخرى من الخليج.
الأحداث التي تعرضت لها السعودية في حربها ضد المتسللين الحوثيين، والتهديدات المستمرة لأمن واستقرار مملكة البحرين، وما يحدث من فتنة في الكويت يصعب فصله عن الأيادي الإيرانية، التي يمكن أن تكون المحرك والممول لجماعات الإرهاب بالخليج. بعض أعضاء الجماعات الإرهابية اتخذوا من الدول الغربية مقراً آمناً لهم، يستخدمونه للإضرار بمصالح الدول الخليجية ومحاولة زعزعة الأمن فيها. أولئك المحرضون، والمخططون، يحصلون على الدعم المادي واللوجستي ويقومون بأعمال عدائية تحت أنظار مُضيفيهم!.
المجلس الوزاري الخليجي في جلسته الأخيرة دعا «كافة دول العالم، وبالأخص المملكة المتحدة، إلى التعامل بجدية مع تلك المجاميع الإرهابية والأشخاص الداعمين للإرهاب، وإبعادهم عن أراضيها، وعدم منحهم حق اللجوء السياسي، أو السماح لهم باستغلال مناخ الحرية للإضرار بأمن واستقرار الدول الأعضاء». كنت قد أشرت إلى ما تعانيه السعودية من تلك المجاميع الإرهابية المستوطنة في المملكة المتحدة، وأميركا على وجه الخصوص. في 8-12-2007م كتبت في (الجزيرة) ما نصه: «بعض المدن الغربية، وعلى رأسها لندن، باتت مركزاً لإعلاميي الجماعات التكفيرية والإرهابية، ومنظريها الذين يستغلون الدعم اللوجستي الذي يتحصلون عليه بحماية رسمية لتكريس الفكر التكفيري الإرهابي في المناطق العربية. أثبتت التحقيقات الرسمية أن بعض التكفيريين ممن ارتكبوا جرائم قتل ضد الأجانب في المملكة تأثروا برسائل جماعات (لندن) الإعلامية. الساحة الأمريكية باتت مرتعاً للمفسدين ممن يرتدون رداء المعارضة، ويتسلحون بأسلحة (حرية الرأي) العوراء. حرية الرأي الغربية مباحة لكل من يريد مهاجمة دين الإسلام، وإشاعة الفوضى في السعودية، فالحق مكفول لديهم حتى للمزورين، والخارجين على القانون، والإرهابيين، طالما أن ذلك يحقق أهدافهم، ويرضي أصحاب القلوب الحاقدة على الإسلام والمسلمين».
الدول الغربية قادرة على التعامل بحزم مع تلك الجماعات الإرهابية، إلا أنها تُفضل تركها لممارسة أنشطتها العدوانية بحرية تامة ضد دول الخليج من أجل الاستفادة منها واستغلالها مستقبلاً. ما يصدر عن تلك الجماعات الإرهابية من تخطيط، تحريض على القتل والتخريب، وتمويل جماعات الداخل يتعارض في مجمله مع القوانين الدولية، والالتزامات المترتبة على اللاجئين السياسيين، ما يعني فرضية قبول الدول الحاضنة لأنشطتهم المُعادية التي تهدد أمن واستقرار دول الخليج. تتعامل الدول الغربية بمعايير مزدوجة في حربها على الإرهاب، ففي الوقت الذي تقدم فيه إلى المحاكمة كُل من يثبت تأييده للعمليات الإرهابية الموجهة ضدها، أو التعاطف معها، ترى أن ما يقوم به بعض الإرهابيين المتواجدين على أراضيها ضد دول الخليج، جُزء من «حرية الرأي» التي يؤمنون بها!.
هناك تهاون في التعامل مع الجماعات الإرهابية التي تهدد أمننا الداخلي من بعض الجهات المتزعمة إستراتيجية مكافحة الإرهاب العالمي، وهو تهاون لا يمكن القبول به مع توفر القدرة على اجتثاثه واعتقال قياداته وأدواته المستقرة في الخارج، وتجفيف منابع تمويله الخارجي وقطع شرايينه المصرفية. من حق دول الخليج المطالبة بتسليمها محرضي، وممولي الجماعات الإرهابية، وممارسة الضغط الدبلوماسي، المالي، والتجاري لوقف أنشطة اللاجئين التحريضية التي تقود في بعض الأحيان إلى القتل، التدمير، ترويع الآمنين، إثارة الفتنة، والفرقة في المجتمع الواحد، وهي أعمال تتعارض مع القوانين الدولية، وإستراتيجية مكافحة الإرهاب التي تتزعمها الولايات المتحدة الأميركية. أسلوب التعامل مع الجماعات الإرهابية يجب ألا يختلف باختلاف الجهة المستهدفة، فيأتي شاملاً، قاسياً، ومدمراً إذا ما كان موجهاً للمجتمعات الغربية، ويُصبح ضعيفاً، معزولاً إذا ما ووجِه نحو دول الخليج!. الشبكة الإرهابية التي تم تفكيكها في البحرين ما هي إلا جزء من شبكات إرهابية أخرى ربما تم توزيعها بدقة على دول الخليج تحسباً لاستغلالها وقت الحاجة، وهو أمر ينبغي التنبه له، والتعامل معه بحزم وقوة لضمان القضاء على الشبكات الإرهابية، والخلايا النائمة، وضربها في جحورها المظلمة.
****
F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM