د. سامي بن عبد العزيز النعيم :
المتابع لحركة أسعار البترول في الأسواق العالمية خلال شهر أغسطس الماضي والنصف الأول من شهر سبتمبر الحالي يجد أن أسعار سلة أوبك كانت تفاوتت بين 70-79 دولاراً للبرميل بمعدل شهري يقدر بـ74.15 دولار للبرميل, مسجلاً سعراً قريباً جداً من المعدل السنوي (75 دولاراً للبرميل) وارتفاعاً طفيفاً (1.6 دولار للبرميل) مقارنةً بمعدل شهر يوليو الماضي.. يُعتبر هذا التفاوت في أسعار البترول تفاوتاً طبيعياً بفعل عوامل كثيرة أهمها ردود فعل طبيعية من قبل المضاربين بعد إصدار التقارير الاقتصادية من قبل دول منظمة التعاون والتنمية والمنظمات ومراكز بحوث الدراسات البترولية ذات العلاقة المباشرة بالطاقة, والتي بشكل عام لم تحتو على مفاجآت أو أخبار قد تعكر أسواق البترول بشكل كبير ومن ثم تؤثر على أسعار البترول للعقود الآجلة.
هذا الثبات في أسعار البترول (فوق المعدل المثالي لسلة أوبك والذي يقدره الكثيرون بـ70 دولاراً للبرميل, وقريباً من السعر العادل الذي يقدرة البعض بين 70 و80 دولاراً للبرميل) يُمثل أيضاً دلالات كثيرة من أهمها: استمرار النمو الاقتصادي العالمي, وإن كان نمواً خجولاً جداً, ونجاح إستراتيجية منظمة أوبك في الحد من تأثير المضاربين على أسعار النفط بالرغم من التحفظات البسيطة في تقديرات الوكالة الدولية للطاقة التي أصدرت تقريرها الشهري بذكر بعض التحفظات على الطلب العالمي للطاقة المتوقع فيما بقي من عام 2010م وامتداداً إلى عام 2011م.
يذكر التقرير الشهري لمنظمة أوبك أن معدلات النمو الاقتصادي العالمي للفترة المتبقية من عام 2010م لم تتغير عن ما نشر سابقاً من قبل المنظمة والذي يقدر ب3.9%, ويتفق مع تقرير وكالة الطاقة الدولية بانخفاضه في عام 2011م بمعدل بسيط جداً يقدر ب0.3% ليصل إلى 3.6% متأثراً ببعض الانخفاضات في تقديرات معدلات نمو اقتصاديات الدول الرئيسة في منظمة التعاون والتنمية والدول النامية على حدٍ سواء.. يذكر التقرير أنه من المتوقع انخفاض اقتصاد أمريكا من 2.6% عام 2010م إلى 2.3% عام 2011م, وانخفاض اقتصاد دول الاتحاد الأوروبي من 1.2% عام 2010م إلى 1.0% عام 2011م, وانخفاض اقتصاد اليابان من 2.5% عام 2010م إلى 1.3% عام 2011م, وانخفاض اقتصاد الصين من 9.5% عام 2010م إلى 8.6% عام 2011م, وانخفاض اقتصاد الهند من 8.2% عام 2010م إلى 7.7% عام 2011م.
اعتماداً على هذه التقديرات المتحفظة نوعاً ما, تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يصل الطلب العالمي على النفط إلى 86.6 مليون برميل في اليوم لما تبقى من عام 2010م و87.9 مليون برميل في اليوم لعام 2011م بارتفاع طفيف يقدر ب1.3 مليون برميل في اليوم (1.5%) من قبل الدول النامية خصوصاً الصين والهند ودول الشرق الأوسط مع وجود احتمالات انخفاض هذه التقديرات في حالة عدم صمود انتعاش الاقتصاد العالمي في عام 2011م.. كما حذرت به وكالة الطاقة الدولية.
هذه التقديرات المتحفظة وإن كانت قريبة للواقع الاقتصادي العالمي خاصة في بعض الدول الأوربية وأمريكا التي أثقلتها الديون المتراكمة وتوقفت برامج الحوافز الاقتصادية التي أنعشت اقتصادياتها خلال السنتين الماضيتين, تشير إلى عدم وجود أي تحدٍ لتلبية هذه الزيادة الطفيفة في الطلب على البترول من قبل الدول المنتجة للبترول سواءً من داخل أو خارج منظمة أوبك مما سوف يكون له تأثير إيجابي على توقعات أسعار البترول في عام 2011م, والتي أتوقع استمرارها كما هو الحال في عام 2010م مع وجود تذبذب طفيف ومقبول قد لا يتعدى +/- 5%-10% بشرط استمرار الدور القيادي الفعَّال لمنظمة أوبك لمنع انخفاض الأسعار, وعدم وجود عوامل جيوسياسية خاصة المواجهة العسكرية بين إيران والغرب التي إن حدثت قد ترفع الأسعار إلى فوق 100 دولار للبرميل.. في نفس الوقت, هناك احتمال ضعيف جداً لارتفاع الطلب على البترول في عام 2011م أكثر من 1.3 مليون برميل في اليوم خاصةً إذا ما فعلت بعض الدول الأوربية وأمريكا بعض البرامج الحكومية الداعمة والمحفزة للاقتصاد وتعاونت الدول الدائنة (الصين واليابان) مع الدول المدينة للتخفيف من وطأة هذه الديون على اقتصاديات هذه الدول. بالرغم من ضعف هذا الاحتمال, لن تمثل هذه الزيادة (إن حدثت) أي تحدٍ للدول المنتجة للبترول لتلبية هذه الزيادة لوجود فائض إنتاجي يقدر ب4-5 ملايين برميل في اليوم, وبذلك لن يكون له أي تأثير مباشر على الأسعار.