قبل عشر سنوات كتبت في جريدة الحياة عن مسرح الأمانة خلال أيام العيد، وبعد أن شكرت الأمانة على اهتمامها بالمسرح ذكرت أهمية أن يشعر المشاهد بأهمية المسرحية التي سيذهب إليها، بأن يدفع جزءًا من كلفة العرض، حتى ولو كان سعرًا تشجيعيًّا مثل جميع دول العالم، تمامًا كما يدفع المشاهد للفيلم السينمائي أو لمباراة كرة القدم، وقد أغضب مقالي آنذاك كثيرًا من المنتجين المنتفعين، الذين لا يراهنون على جودة نصوصهم ولا على قيمة ممثليهم، واتخذوا من دعم الأمانة المالي مجرّد «عيدية» لهم حق فيها!
لماذا يدفع المشاهد المصري، رغم ضعف القدرة الشرائية لديه، على مسرحيات عادل إمام وسعيد صالح ومحمد صبحي وغيرهم؟ ولماذا يدفع المشاهد الكويتي نظير مسرحيات عبدالحسين عبدالرضا وسعد الفرج، وحتى الجيل الجديد كطارق العلي وهيا الشعيبي وعبدالناصر درويش وغيرهم؟ أعتقد لأن هؤلاء عليهم أن يصارعوا ليقدّموا مسرحًا جذّابًا، مسرحًا يحفظ الحد الأدنى من احترام المشاهد، ويجعله لا يندم كثيرًا لأنه أضاع وقته وماله، ولأن عليهم أن يكسبوا من العروض المباشرة، ثم العروض التلفزيونية، وهو أمر خلق لهم جماهيرية جديدة، فمن الممكن أن تشاهد جميع مسرحيات طارق العلي على أشرطة الفيديو، بينما لا يمكن أن تجد مسرحية لفايز المالكي مثلاً، ولو كان الأمر لدينا بهذا الشكل لاضطر فايز وخالد سامي وغيرهم إلى أن يقدموا مسرحيات تبقى لسنوات، لا مسرحيات «أم ثلاثة أيام»!
فهل يُعقل أن يعود خالد سامي، بعد انقطاع خمسة وعشرين عامًا، منذ آخر مسرحية شارك فيها، ليظهر بهذا الشكل؟ ولولا شموخه على المسرح ولذعاته الصغيرة العابرة لاعتقدت أنه شخص آخر غيره، فلم يكن هو خالد سامي «المهابيل» ولا خالد «تحت الكراسي». وبمناسبة مسرحية «تحت الكراسي» لماذا يتحدث الجميع بحب عن هذه المسرحية، وأصبحت خالدة في ذهن كثير من محبي المسرح، رغم أنها أُنجزت عام 1985م؟ ببساطة لأن نجوم الفن المسرحي السعودي اشتركوا فيها، كالراحل محمد العلي وعلي الهويريني وراشد الشمراني ومحمد الكنهل وخالد سامي وعبدالله السدحان وناصر القصبي وبشير الغنيم وعلي المدفع.. تخيلوا كل هؤلاء يقفون ببهاء مدفوعين بنص جميل ذي نكهة انتقادية ساخرة، لا بد أن تظهر قدرات هؤلاء وجمالهم، ولا بد أن تكون لمسرحيتهم نكهة وطعم وذاكرة!
ماذا لو قدمت لنا الأمانة كل عام مسرحية واحدة فقط، تجمع حشدًا من النجوم، من فئة هذه المسرحية القديمة، التي كما لو كان المسرح السعودي قد توقّف عندها؟ ماذا لو قدّمت كل عام مسرحية من هذا النوع الثقيل على المسرح الكبير في مركز الملك فهد الثقافي، الذي يتّسع لثلاثة آلاف مشاهد؟ حتمًا ستكون قد كرّست عشرات المسرحيات المهمة خلال هذه السنوات.
أخيرًا، لا بد أن نشكر الأمانة على جهدها، وحُسْن نيتها في تكريس الثقافة المسرحية في السعودية، وهو بلا شك دور ريادي فاقت به جهد جمعية الثقافة والفنون، لكنه بحاجة إلى دراسة وتطوير مستمرَّيْن، خاصة أن مسرح العيد بدأ يخبو قليلاً، وينحدر شيئًا فشيئًا، ولا بد من مراجعة عاجلة ومبكّرة لأعمال مسرحيات العيد القادم.
وكل عام وأنتم بخير.