إبان الحكم العثماني للعالم العربي لم يكن هنالك إقليم يتمتع بالاستقلال الذاتي سوى إقليم نجد أو بالأصح قلب جزيرة العرب، وبالرغم من أن الأتراك العثمانيين حاولوا محو الحكم المركزي لهذا الإقليم العزيز عبر حملاتهم الشهيرة التي أدت أخيراً إلى تدمير عاصمة هذا الإقليم تدميراً كلياً وأخذ جميع أفراد الأسرة الحاكمة فيه إلى مصر ومن ثم إلى اسطنبول لتعدم آخر أئمة آل سعود الكرام ألا وهو الإمام عبد الله بن سعود آل سعود - رحمه الله - وذلك على يد الحاكم العثماني في مصر محمد علي وابنيه طوسون وإبراهيم، وقد ظن العثمانيون آنذاك أنهم قد ارتاحوا كلياً من هذا الخنجر العربي الذي يوخز خاصرتهم كلما دنوا من جزيرة العرب، ولكن الله شاء أن تنهض هذه الأسرة الكريمة ثانية بعد المحو المزعوم على يد أحد أبطال الجزيرة العربية ومن سلالة تلك الأسرة السعودية النبيلة بالذات ليعيد مجد أسلافه من جديد، وهكذا فعل من بعده نجله الفيصل العظيم الذي أنجب لهذه الجزيرة والأسرة رجالاً أوصلوا هذه المملكة الغالية إلى مجدها اليوم على يد المؤسس العظيم عبد العزيز بن عبد الرحمن - طيَّب الله ثراه - وفي ذلك الزمن حينما حقق الإمام الهدف الأسمى من الوحدة المباركة واستتب الأمن وعمَّ الرخاء البلاد وجلس على العرش كتب على باب مجلسه البيت الآتي:
|
(نبني كما كانت أوائلنا تبني |
ونفعل مثلما فعلوا) |
آنذاك رأى هذا البيت مثقف عربي جاء من أقصى الدنيا إعجاباً بعبد العزيز وبعد أن مرَّ على جميع ملوك العرب آنذاك فقال للمؤسس العظيم ثمة خطأ في هذا البيت يا مولاي لأن الصحيح يجب أن يكتب هكذا:
|
(نبني كما كانت أوائلنا |
تبني ونفعل (فوق) ما فعلوا) |
لأنك يا عبد العزيز فعلت (فوق) ما فعل الأسلاف.
|
من هنا يمكننا القول إن الأحفاد إن لم يفعلوا ويضيفوا (فوق) ما فعل الأسلاف لتاريخهم فعليهم أن يتجنبوا (الفشخرة) بأسماء أسلافهم لأنهم بذلك يسيئون لتاريخ أولئك الأسلاف العظام.
|
* أما اليوم ونحن نعيش رغد العيش والاعتماد على الذات فعلينا التخلّق بأخلاق أولئك الأسلاف وإعادة مآثرهم ومفاخرهم على الأقل بقدر (ما نستطيع)؛ لأن لكل زمان دولة ورجال أما (ما نستطيع) فهو على الأقل تدوين تاريخهم المجيد للاستئثار به وتعليمه لأحفادهم الآتين من بعدهم وذلك عن طريق الكتابة أو التصوير أو التسجيل المرئي أو المسموع، وهذا بالطبع يعتبر إضافة إلى تاريخ الوطن. ولعلي هنا أشيد ببعض التجارب الفاعلة في هذا الحقل، إذ قام أحفاد الشيخ (ناصر الشغار) بطرح ديوان مسموع يشتمل على سيرة هذا البطل وأشعاره الخالدة وقد أسموه (نجوم الربيع) إشارة إلى أبنائه الخمسة الذين قضوا في سبيل الذود عن الحمى وطلب النوماس وتأصيل الشجاعة والشريط أعده وأشرف عليه حفيده بندر بن بدر الشغار، وبإلقاء الدكتور موسى عشيري ومحمد الجسار، وقام بالنشيد فايز العوني وشاعر المحاورة زيد الغبيوي. وبالطبع كان الشريط ممتعاً وخالياً تماماً من النعرات؛ لأنه يحتوي على الأدب الإنساني الرفيع الذي يمجّد الشهامة والكرم والنبل وأخلاق الفرسان.
|
يبقى القول أخيراً أرجو أن لا يعتبرني أحد أنني أدعو إلى (القبلية الضيِّقة)، بل لحفظ مآثر آبائنا من مختلف القبائل لأن القبيلة في عرفنا الحديث هي (أسرة كبيرة) لا أكثر وما تملكه من أمجاد هو إضافة إلى أمجاد الوطن ليس إلا.
|
|