بالرغم من اجتهاد أمانة منطقة الرياض منذ سنوات طويلة لتكريس ثقافة المسرح، عبر عشرات المسرحيات سنويًا، إلا أن الحاضر لإحدى المسرحيات هذا العيد، يكتشف أن جمهور ملاعب كرة القدم، وبسبب توقف دوري خادم الحرمين الشريفين، قرّر أن يتسلّى بأنصاف ممثلين يتسوّلون الضحكة والصيحة والتصفيق والتصفير، كما لو أن أحدًا سجّل هدفًا حاسمًا، بل لا يمكن أن تحضر مسرحية لا يذكر فيها اسم ياسر القحطاني أو سعد الحارثي، كي يضج التصفير أو تتعالى صيحات الاستهجان من جماهير الضد!
تقاليد المسرح المعروفة في جميع مسارح دول العالم، سواء البعيد أو القريب، شبه مفقودة في مسارحنا، لأن مقاييس الأخوة في الأمانة هي عدد الحضور لا نوعيته، وهو الأمر ذاته عند الموافقة على تنفيذ المسرحيات، إذ تركّز الأمانة على الكم لا على الكيف، مما يجعل أكثر الحضور يعض أصابع الندم بعدما أضاع ساعة العرض، وساعة الطريق ذهابًا وإيابًا، على أعمال شبه مسرحية، مبتسرة وململة على عجل، فهل يجب على الأمانة أن تقدّم تسع مسرحيات مثلاً؟ أم كان الأجدر أن تختار ثلاثة نصوص فحسب، وتشترط أن يشارك فيها أبرز نجوم التمثيل في السعودية والخليج؟ فهل يعقل أن يقدم النجم خالد سامي مسرحيته وحيدًا؟ وأن يقوم يوسف الجراح بمسرحيته مع أشباه ممثلين؟ وكذلك محمد العيسى؟ وأين النجوم المسرحيون الأكثر جذبًا، كفايز المالكي وحبيب الحبيب؟ ماذا لو قررت الأمانة أن تكتفي بثلاثة عروض مسرحية محترمة، مكتوبة بطريقة احترافية، يقودها ممثلون بارعون من فئة النجوم الكبار، ويدير دفتها مخرج متمكن، أي مسرحية ذات بناء وهدف، مسرحية كوميديا سوداء، كوميديا الموقف، لا كوميديا التهريج والرقص وتهييج جمهور ثقافته المسرحية صفر، ماذا لو خصّصت الأمانة مبالغ هذه المسرحيات التسع لصالح ثلاث مسرحيات فقط؟ ثلاث مسرحيات مكتملة؟ ثلاث مسرحيات من فئة الساعات الثلاث؟ ذات الخط الدرامي المتصاعد، المكتوبة بحرفية كاتب محترف، لا كاتب طارئ، المخرجة بقدرات مخرج متمكن، لا مخرج جاء من كواليس إدارة الإنتاج أو دهاليز الصحافة، المؤداة عبر ممثلين ملتزمين، يدركون منطقية الحوار وسلاسته، لا يتقافزون على خشبة العرض ويصطدمون بعضهم البعض من أجل إضحاك الأطفال.
المسرح، يا سادة، هو أبو الفنون وسيدها، لا يقف على خشبته إلا الكبار، ولا يؤلف له إلا المهرة، ولا يُخرِج له إلا المتمكنون، المسرح يا سادة هو عملاق الفنون، لا قزمها، كما جعلتموه، ولا أظن أن الأمانة تهدف إلى تقزيم فن المسرح، ولا يرضيها ذلك، ولا أظن أنها توزع هباتها السنوية للمنتجين، بل تدفع لأجل عمل مسرحي راقٍ، تدفع لكي تجني ثمار ذلك على مدى سنوات، لكي تخلق جيلاً متذوقًا للمسرح.
أعتقد لو تجرأت الأمانة وقررت اختيار أجمل ثلاث مسرحيات مقدمة لها، وفرضت على كل منتج نجومًا من الصف الأول، ومخرجًا بارزًا، ومخرجًا تلفزيونيًا لتصويرها أيضًا للتلفزيون وعرضها فيما بعد، لحققت تركمًا مسرحيًا يُحسب لها، بدلاً من مسرحيات الثلاثة أيام أو ال»فاست شو» التي تنتهي عند خروج المشاهد لها من قاعة العرض.