لأهل الباطل في هذه المرحلة، ضجيج وجَلْجَلَةْ، وفيهم جرأة واضحة على الدعوة إلى باطلهم، والترويج له، والتمجيد لمن شرَّع له وأَصَّله، ولأهل الباطل وجوهٌ ملمَّعة في كثير من وسائل الإعلام ومنافذه، وأبواب مفتوحة ونوافذ مشرعة، ولهم في رحلتهم المشؤومة تنسيق وتنظيم تشهد به حَمَلاتُهم الخطيرة التي تتناول عدداً من ثوابت الأمَّة بالتفسير والتأويل، وبالمناقشة والنقد المتجرِّئ وليس الجريء، وهي حملات مرتبة منظمة إذا لم تنتهِ بالتشويه والتشكيك وإثارة الشبهات وخَلْخَلة مواقف أهل الحقِّ، فهي تنتهي بإثارة الغُبار في الأجواء النقيَّة، وأهل الباطل يَعُدُّون أنفسهم رابحين في الحالتين كلتيهما.
|
هنالك أسباب كثيرة لهذا الضجيج المؤذي، أشارت إليها بحوث ودراسات وتقارير، من أهمِّها:
|
1 - البعد الملحوظ من بعض المسلمين عن شريعتهم الإسلامية بصورتها النقيَّة الصافية المرسومة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ووقوعهم في العناية بمظاهر التديُّن لا بمخابره، وجنوحهم إلى البدع والخرافات التي تعرض الصُّورة المشوَّشة «المشوَّهة» عن الإسلام، سواءٌ أكانت في صورة مذاهب أم فِرَقٍ جنحت بها مراكبها عن الطريق المستقيم، وشطحت بها أهواء شيوخها عن صفاء العقيدة، ونقاء الشريعة.
|
2 - التَّهاون الكبير من كثير من الحكومات المسلمة بتطبيق الشريعة في واقع الحياة، والميل إلى تطبيق القوانين البشرية تطبيقاً لم يتوقف عند تنظيم أمور الدنيا وشؤونها، بل تجاوزه إلى أمور الدين وأحكام الشرع بحجج كثيرة، تقوم على تسويفاتٍ غير صحيحة.
|
3 - الجرأة على الفتوى في أمور الدين من فئات مختلفة من المجتمعات المسلمة، منهم من ينتمي إلى قائمة الدارسين للعلوم الشرعية مع عدم تأهُّله للفتوى بشروطها المعتبرة، ومنهم من ينتمي إلى قائمة الصحافة والإعلام والثقافة العامة ممَّن لا علاقة له بالدراسات الشرعية، ولا مؤهِّل له يجعله مأموناً على معلومة شرعية صحيحة يقدِّمها، فكيف بفتوى تقوم عليها أفعال وممارسات؟.
|
4 - استقواء أصحاب التوجُّهات التغريبية من المسلمين بالهيمنة السياسية والعسكرية والإعلامية للدول الغربية الكبرى على الدول العربية والإسلامية هيمنةً ظاهرةً لا تحتاج إلى دليل، وهذا السبب تؤكده جميع الدراسات والبحوث التي تصدرها المراكز المعتبرة في الغرب أو الشرق، مشيرة إلى التجُّرؤ الملحوظ من أولئك المستغربين على هزِّ بعض ثوابت الإسلام عبر المقالات والبرامج والأعمال الأدبية (الرِّوائية)، والأعمال الدِّرامية - سينمائية كانت أم تلفازية - من بعد الوجود الغربي الأخير في العراق وأفغانستان، حيث لقي أتباع الغرب فكرياً وثقافياً دعماً مادياً ومعنوياً قوياً من قوى الاحتلال الكبرى بصورة مكشوفة مباشرة.
|
5 - وجود انشقاق واضح في صفوف علماء الشريعة ودعاتها ومفكريها، ومؤسساتها الشرعية الكبرى، جعلها أضعف في مواقف كثيرة أمام حملات أهل الباطل المنظَّمة، وتنسيقهم المتماسك، وحضورهم الإعلامي القويِّ، وقد بدت صورة هذا الانشقاق واضحةً من خلال الخلافات الحادَّة بين كثيرٍ من أولئك الدعاة والعلماء والمفكرين الإسلاميين التي أبرزتها وسائل الإعلام إبرازاً قوياً أحدث شرخاً في جدار ثقة عامة الناس بهم، وهو شرخ لا يحتاج إلى بيان، لأنَّه أصبح شديد الوضوح في هذه المرحلة.
|
هكذا يتحدث الدارسون عن أسباب (ضجيج أهل الباطل) الذي جعلهم يصرِّحون بما كانوا يخفونه من قَبْلُ من شبهاتٍ، ويعلنون ما كانوا يُسِرُّونه من قَبْلُ من مظاهر السلوك المخالفة لأوامر الدين.
|
هنا يجب أن يقف العلماء وعقلاء الأمة الإسلامية، وولاة أمرها الذين يقدِّرون الأمور تقديراً صحيحاً، ويعلمون أنَّ ضجيج أهل الباطل يشكِّل خطراً كبيراً على الاستقرار السياسي، والأمني لبلادهم، كما يشكل خطراً على تكاتف المجتمع وتلاحمه، وعلى ثوابت الدين الحنيف الذي لا عزَّة للأمة دونه، أَنْ يقف هؤلاء جميعاً صفَّاً واحداً في مواجهة الباطل مهما كان بريقه وادِّعاؤه، مواجهةً قائمة على الدراسة والتخطيط السليم، والتنفيذ المباشر الذي يسهم في إزالة ما ثار من شبهات وشهوات فيها خطر عظيم على الفرد والأسرة والمجتمع، فإنَّ هذا أقلُّ ما يمكن أنْ تُحفظ به الأمانة التي سيسألهم الله عنها، وأقلّ ما يجب لحماية المجتمع والأمة، وعقول الأجيال الناشئة التي تتناوشها حَمَلات أهل الباطل من كل مكان.
|
|
يا أمَّة الإسلام وجهك لم يَزَلْ |
بالرغم من هول الشدائد مُسْفِرا |
|