Al Jazirah NewsPaper Tuesday  14/09/2010 G Issue 13865
الثلاثاء 05 شوال 1431   العدد  13865
 
أميال تنمية الألفية
فيليب داوست بلازي *

 

لقد أوقعت الأزمة الاقتصادية العالمية العديد من الضحايا العمال العاطلين، وأصحاب المساكن الذين أصبحت قيمة مساكنهم أقل من الأقساط المتبقية، والمتقاعدين المفلسين ولكن عواقب الأزمة كانت أشد وطأة في العالم النامي. ولا شك أن هذه الانتكاسة التي ألمت بالمكاسب الهشة التي تحققت في الأعوام الأخيرة، وخصوصا في إفريقيا، تهدد بعودة الملايين من البشر إلى الفقر المدقع الذي تمكنوا من الإفلات من قبضته للتو. وبالإضافة إلى احتمالات المعاناة الإنسانية الهائلة، فإن الضغوط الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الشديدة تهدد الآن بإرباك البلدان النامية وزعزعة استقرارها، الأمر الذي قد يؤدي إلى اندلاع الصراعات على نطاق غير مسبوق.

وما يجعل دوامة الهبوط الحالية مثبطة للهمة بوجه خاص هو أن الأزمة الاقتصادية وجهت ضربتها المهلكة مع أول دلائل التقدم، وخصوصا في مجال الرعاية الصحية. فمنذ عام 2000 كانت معدلات الوفاة بين المصابين بمرض الايدز في انحدار، وأصبح علاج الأمراض التي كانت تفتك بالأطفال، مثل الملاريا والحصبة، أكثر فعالية، وسجل التعليم الأساسي على مستوى العالم تقدماً بطيئاً ولكنه ثابت، وأصبح تحقيق أهداف توفير مياه الشرب الآمنة في المتناول.

إلا أن الأزمة الاقتصادية العالمية تعمل الآن على إضعاف الجهود المتواضعة التي تبذلها البلدان المتقدمة للوفاء بالتزاماتها فيما يتصل بتقديم مساعدات التنمية الرسمية من أجل تحقيق الأهداف الانمائية للألفية كما حددتها الأمم المتحدة. ويحذر تقرير صادر عن الأمم المتحدة من انخفاض الاستثمارات السنوية من هذه البلدان المانحة كانت أقل بنحو خمسة وثلاثين مليار دولار عن الهدف المحدد بمئة وخمسين مليار دولار. وما لم يتغير هذا الوضع فإن احتمالات النجاح في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية في الأمد البعيد سوف تصبح ضئيلة للغاية.

والواقع أن العواقب المترتبة على انحدار مساعدات التنمية الرسمية كانت مأساوية بالفعل: فقد أصبح عدد الجوعى ومن يعانون الفقر المدقع أعظم مما كان عليه من قبل، وينطبق الأمر نفسه على العاطلين عن العمل، وهؤلاء الذين يعملون في وظائف غير مستقرة، أو الذين يكسبون أقل من 1.25 دولار في اليوم. والآن أصبح التقدم الذي تم إحرازه في مجالات الصحة ومحو الأمية عُرضة للزوال. وتربط بيانات البنك الدولي بين دورة الانحدار الاقتصادي بزيادة مقدارها 200 ألف في معدلات الوفيات بين الأطفال دون سن الخامسة.

فضلاً عن ذلك فإن 536 ألف امرأة تموت سنوياً أثناء الولادة، وتعد صحة الأم من بين الأهداف الانمائية للألفية التي توقف التقدم الذي أحرزته منذ تحديد تلك الأهداف قبل عشرة أعوام. وكل دقيقة تمر تعني وفاة أم أخرى، ومن المخزي أن 99 % من الوفيات بين الأمهات تنحصر في البلدان النامية.

هل نستسلم لليأس إذن من تحقيق الأهداف الانمائية للألفية، ليس فقط بحلول الموعد النهائي الأصلي المحدد بعام 2015 بل وحتى بحلول نهاية القرن؟ إذا نظرنا إلى الأمر من منظور مساعدات التنمية الرسمية التقليدية، التي تتغير ميزانيتها سنوياً، وبما تشتمل عليه من قيود خاصة بالتمويل العام والأولويات الوطنية المنافسة لها، فإن التفاؤل يصبح في غير محله. ولكن هناك وسيلة لإحلال نموذج مقبول عالمياً ويتمتع بسجل ثابت من النجاح، وخصوصا في مجال الرعاية الصحية، في محل النموذج التقليدي.

وتقدم آليات التمويل المبتكرة سبل الاستفادة بشكل متزايد من تدفقات التمويل العالمية من دون تعطيل النشاط الاقتصادي. ومن بين الأمثلة الأكثر شهرة البرنامج الدولي لشراء العقاقير تحت رعاية الأمم المتحدة (يونيت ايد)، والذي يتم تمويل القسم الأعظم من تكاليفه بالاستعانة برسوم رمزية تضاف إلى تذاكر السفر بالطائرات، والذي نجح في جمع 1.5 مليار دولار منذ عام 2007. وهذا المصدر الجدير بالثقة للتمويل كان في طليعة الجهود الرامية إلى تحقيق ثلاثة من الأهداف الانمائية للألفية المرتبطة بالصحة: علاج ومكافحة الأمراض التي تهدد الحياة مثل مرض الايدز/فيروس نقص المناعة البشرية المكتسبة، والملاريا، والسل؛ والحد من وفيات الأطفال؛ وتحسين صحة الأمهات.

وبتوفير التمويل في 93 دولة، يتولى هذا البرنامج اليوم تمويل شراء العقاقير لثلاثة أرباع الأطفال في مختلف أنحاء العالم ممن يتلقون مضادات للفيروسات. ولقد تم تحقيق التغطية الواسعة النطاق من خلال تأثير هذا البرنامج على أسعار العقاقير المنقذة للحياة: فهو يضمن وجود سوق من خلال تعهدات طويلة الأجل بشراء مقادير كبيرة من الأدوية ووسائل التشخيص وهو الالتزام الذي أصبح ممكناً بفضل التمويل المستدام والمتوقع من»ضريبة الهواء». ونتيجة لهذا انخفضت أسعار مضادات الفيروسات بنسبة تتجاوز 50 %.

وعلى نحو مماثل يسعى برنامج يونيت ايد إلى مكافحة الوفيات بين الأطفال من خلال برنامج منظمة اليونيسيف الموسع لمكافحة انتقال مرض الايدز من الأمهات إلى الأطفال. وبحلول نهاية 2010 سوف ينتهي المرفق من فحص أربعة ملايين امرأة في إفريقيا، وتقديم العلاج الثلاثي لنصف مليون امرأة حامل في مختلف أنحاء العالم.

والآن يعكف برنامج يونيت ايد على البناء على النجاح الذي أحرزه من خلال التعاون مع مؤسسة الألفية لمنح الأفراد الفرصة للمساعدة في مكافحة الأمراض الرئيسية من خلال التبرعات المتناهية الصغر. ولقد تم ابتكار آلية مبدعة لجمع التبرعات تحت مسمى مساهمات التضامن الطوعية، ومن شأن هذه الآلية أن تسمح للمسافرين بالطائرات وغيرهم بتقديم التبرعات الطوعية الصغيرة لبرنامج يونيت ايد ببساطة من خلال وضع علامة على الخانة المخصصة عند شراء التذاكر على سبيل المثال، وهذا يعني إضافة دولارين إلى التكاليف الإجمالية.

إن آليات التمويل من هذا القبيل، إلى جانب استثمارات مساعدات التنمية الرسمية الوطنية، تشكل وسيلة بالغة الأهمية لدعم الأهداف الانمائية للألفية. وفي شهر سبتمبر - أيلول حين يعقد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون قمة خاصة في نيويورك لتجديد الزخم نحو تحقيق الأهداف الانمائية للألفية، فيتعين على زعماء العالم المجتمعين هناك أن يؤيدوا استخدام هذه الآليات في التصدي لأولويات الأهداف الانمائية للألفية في مجالات غير الصحة.

عندما تبنى زعماء العالم الأهداف الانمائية للألفية في عام 2000، كان الشعور بالحاجة الملحة إلى تحقيق هذه الأهداف نابعاً من قناعة أخلاقية مفادها أن الفقر المدقع أصبح يشكل مفارقة زمنية غير مقبولة في عالمنا المترابط. ولكن الأمر يتطلب المزيد من الجهد، وسوف تكون قمة سبتمبر في نيويورك بمثابة فرصة بالغة الأهمية يتسنى من خلالها لبلدان العالم الإعراب عن دعمها الكامل لآليات التمويل المبتكرة، وبالتالي إعطاء الأهداف الانمائية للألفية الفرصة للنضال.

خاص الجزيرة
* وزير خارجية فرنسا الأسبق


 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد