وقفت أمام صورة العيد الجميلة وقفة المعجب بها، وبما تحمله من معاني الحب والمودة، والفرح والسرور، والرِّضا والاستبشار، فما وجدتُ شيئاً أقابل به صورة العيد البارعة الجمال أفضل من الشكر، الشكر لله سبحانه وتعالى الذي أنعم علينا بنعمة الإسلام، ومنَّ علينا بإتمام الصيام في شهر الصيام، في نعمة وعافية، وهو شكر واجب على كل مسلم أتم الله عليه نعمته، وجاد عليه بفضله.
|
تخيَّلت الشكر دوحةً خضراء وارفة الظِّلال تمتدُّ فروعها مسافاتٍ طويلة لتظلل رؤوس المحتفلين بعيد الفطر من المسلمين في أنحاء المعمورة، تظللهم بفرحة العيد بعد شهر الصوم، وبالحب والمودة اللذين يبتهجان بالعيد فيعبِّران عن فرحتهما تعبيراً عملياً في تواصلٍ وتراحم يجري بين الناس في هذا اليوم البهيج.
|
دوحة الشكر الراسخة في تربة الإيمان دائمة الخضرة والنضرة، لا تعرف الذبول، والذين يسقونها بشكرهم وعرفانهم ويستمتعون بجمالها وظِلالها هم المؤمنون بالله الذي قال: {وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}، فربط بين العبادة والشكر هذا الربط الواضح الذي يؤكد لنا أن من لم يشكر الله لم يكن من أهل عبادته، فالمؤمنون بالله إذنْ هم العابدون الشاكرون المحمودون عند ربهم.
|
والشكر في يوم العيد يكون على نعم متعددة، منها ما هو سابق للعيد، ومنها ما هو فيه، ومنها ما هو بعده، فالنعم السابقة للعيد هي القيام بما أوجب الله علينا من الصيام، وتلاوة القرآن، وصلاة التراويح، والذكر، والدعاء، والصدقة، وإخراج الزكاة، وغير ذلك من الفضائل التي تمت - بفضل الله وتوفيقه - لمن حاز قصب السبق في هذا المضمار المبارك من الصائمين، والنعم التي في العيد هي التكبير لله الذي هو شعار العيد البارز، وصلاة العيد، وفرحة الإفطار بعد نعمة الصيام، وانتشار المودَّة بين الناس، وإفشاء السلام، وصلة الأرحام، واللقاء بالأحبة والأصدقاء، وزكاة الفطر التي يتميز بها هذا العيد صلةً للفقراء والمساكين، ورعاية للمحتاجين. أما النعم التي بعد العيد فهي ما يمنُّ الله به على عباده المؤمنين من التوفيق لصيام ستٍ من شوَّال، وما يحدث من استمرار المودة والتواصل بين الناس بعد تلك الشحنة الروحية القوية التي حدثت في رمضان ويوم العيد.
|
إنَّه الشكر خير ما يقابل به الإنسان هذا العيد السعيد الذي لا بد لنا من الفرح فيه فرحاً يربطنا بكل مسلمٍ في مشارق الأرض ومغاربها، فرحاً لا ينسينا قضايا أمتنا، ولا يحجب عنا معاناة الأحبة من المسلمين والمسلمات في عالمنا الإسلامي الذي ما زال يستقبل الأعياد بحالة لا تسرُّ من الخلاف والشتات، وجور الأعداء، وضياع المقدسات، وغير ذلك من القضايا التي لا تخفى علينا.
|
نفرح بالعيد، ونشعر بأحوال المسلمين في كل مكان، ونرفع دعاءنا الذي لا ينقطع إلى الله العليِّ القدير أن ينصر الحقَّ وأهله، وأن يكشف الغمة عن كل مغموم ومظلوم، ونشكر الله عز وجل شكراً خالصاً على نعمة التآلف والتآخي، ونعمة القلوب المطمئنة والضمائر الحيَّة.. هذا المزج الرائع بين المشاعر المختلفة صورة من صور ديننا الإسلامي المشرقة التي تتجلَّى في هذا العيد المبارك.
|
دوحة الشكر في روضة العيد هي الموقع الجميل الذي تلتقي فيه القلوب على مشاعر المحبة والمودة والصفاء.
|
إنَّه الشكر الذي ارتضاه الله من عباده في قوله تعالى: {إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} فما أجدرنا أن نكون من الشاكرين الذاكرين، حتى نفوز برضا رب العالمين.
|
اللهم إنا نشكرك أجزل الشكر وأعظمه على نعمك التي لا تُعدُّ ولا تُحصى، وأجلُّها نعمة الإسلام التي هي أصل النعم، نشكرك وقد وعدت الشاكرين بالزِّيادة، فاجعلنا دائماً من الشاكرين.
|
وفي موسم العيد، وتحت ظلال دوحة الشكر، أزفّ تهنئتي للأحبة جميعاً بعيد الفطر المبارك، وبما منَّ الله عليهم من صيام رمضان وقيامه، وهي تهنئة صادقة شاملة لكل مسلم ومسلمة في أنحاء المعمورة، ولأهل هذه البلاد الطاهرة الذين يستقبلون العيد كما استقبلوا رمضان في نعمةٍ من الله وأمنٍ وعافية، تستوجب منهم شكراً أعظم لمن جاد وتكرَّم سبحانه وتعالى، كما أنها تهنئة موجهةٌ لولاة أمرنا وعلمائنا، ولكل منْ يقوم على ثغر خدمة من ثغور الخدمات الكثيرة التي تُقدَّم للناس في شرق البلاد وغربها، وشمالها وجنوبها.
|
العيد روضة غناء، والشكر دوحةٌ وارفة الظلال، وكلّ عامٍ وأنتم بخير.
|
|
مِنَنُ الإله عظيمة في أرضن |
إنَّا لنشكره على هذي المِنَنْ |
|