الدستور الأمريكي يقدم حرية الرأي على غيرها من الحريات الأخرى، بما فيها حرية اعتناق الأديان، وحرية الرأي يقدمها الأمريكيون لاعتبارات تاريخية، ولذلك وضعها (الآباء المؤسسون) وهم من وضعوا الدستور الأمريكي بعد الحرب الأهلية كأولى المواد، وقد اعتبر بعض الأمريكيين اعتزام شيطان فلوريدا (القس تيري جونس) رئيس الكنيسة البروتستانتينية المتطرفة في مدينة غينسفيل شمال شرق فلوريدا، نوعا من ممارسة حرية التعبير، هذا التملص لتغطية فعل شيطان فلوريدا يعد تحايلا واضحا على مواد الدستور الأمريكي نفسه، فحرية الرأي في أمريكا نفسها تنحصر في القول في الكتابة، وحتى التظاهر، على الرغم من أنه لا يجرؤ أحد من أمريكا أو غير أمريكا أن يجهر بمعارضة أسطورة الهليكوست (حرق اليهود في أفران هتلر)، فكل من يعارض هذه الرواية التي ضخمت بحيث طورد أساتذة وباحثين أمريكيين وغير أمريكيين شككوا في هذه الرواية.

القس المتطرف يتجاوز ما يسمونه بحرية الرأي قولاً وتصريحاً لمحطات التلفزيون، وما يكتبه من مقالات مؤججاً الكراهية في المجتمع الأمريكي وخارج أمريكا، يتجاوز كل ذلك إلى ارتكاب جرم الفعل، فالقيام بحرق مئتي مصحف وهو الكتاب المقدس لمليار ونصف المليار مسلم، يعد وفق نصوص الدستور الأمريكي ارتكابا إجراميا، ليقول ما يقوله شيطان فلوريدا، وليؤجج الكراهية التي سترتد ضده وأتباعه وتطول كل الكنائس المسيحية إلا أنه بتجاوزه القول إلى الفعل فهو إصرار متعمد على ارتكاب جرم أثيم يرى فيه جميع المسلمين اعتداءً صارخاً على كتابهم المقدس، إن تم يكون قد جرى بعلم السلطات الأمريكية الفدرالية منها، وسلطات ولاية فلوريدا، ولهذا فإن السكوت على هذه الجريمة وعدم منعها يُعد في فهم المسلمين تواطؤاً من هذه السلطات، وإهمالاً متعمداً لتوسيع دائرة الكراهية وتهديداً مباشراً لكل المسلمين، والمسلمون يتساءلون: كيف سيكون موقف السلطات الأمريكية إذا هدد أحد بحرق التوراة أو الإنجيل في بلد إسلامي إلا يوصم ذلك الشخص بأنه إرهابي.

شيطان فلوريدا ما هو إلا إرهابي يرتدي ثياب القساوسة وعلى السلطات الأمريكية إن أرادت إخماد الفتنة وقصر الشر أن تتعامل مع هذا الشيطان مثل التعامل نفسه مع الإرهابيين وتقوده إلى السجن، بدلا من أن تمنحه المجال لنشر شروره عبر محطات التلفاز، وتجري معه مفاوضات لمقايضة أفعاله الشريرة لمضايقة المسلمين في بلد يسود مجتمعه التسامح.