Al Jazirah NewsPaper Friday  10/09/2010 G Issue 13861
الجمعة 01 شوال 1431   العدد  13861
 
محاسبة النفس في وداع رمضان
حمود دخيل العتيبي

 

ها هي أيام شهر الخير قد مضت سريعا كما تمضي أيام العمر قد كنا بالأمس القريب نتلقى التهاني بقدومه ونسأل الله بلوغه واليوم نتلقى التعازي برحيله ونسأل الله قبوله، بالأمس نترقبه بكل فرح وشوق، واليوم نودعه, فهل استفدنا من رمضان في تغيير الذات ومحاسبة النفس، فمحاسبة النفس أمر ضروري يعود بالنفع على صاحبه في الدنيا والآخرة وهكذا كان هدي السلف الأبرار، والسابقين الأخيار، فهذا الحسن البصري يقول: إن العبد لايزال بخير ماكان له واعظ من نفسه، وكانت المحاسبة من همته.

فمن حاسب نفسه قبل أن يحاسب، خف في القيامة حسابه، وثبت عند السؤال جوابه، وحسن منقلبه ومآبه، ومن لم يحاسب نفسه، دامت حسراته، وطالت يوم العرض على الرحمن وقفاته، وقادته إلى الخزي والعار سيئاته وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا، وتزينوا للعرض الأكبر {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ} (18) سورة الحاقة، وعن شداد بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني) وكتب عمر بن الخطاب إلى بعض عماله: حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة، فإن من حاسب نفسه في الرخاء قبل حساب الشدة عاد أمره إلى الرضا والغبطة، ومن ألهته حياته وشغلته أهواؤه عاد أمره إلى الندامة والخسارة. وقال الحسن: المؤمن قوام على نفسه، يحاسب نفسه لله، وإنما خف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة. وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كثير البكاء والخوف، والمحاسبة لنفسه، وكان يشتد خوفه من اثنتين: طول الأمل واتباع الهوى. قال: فأما طول الأمل فينسي الآخرة، هكذا كان هدي السلف الصالح في محاسبة النفس فكيف بنا ونحن نوادع سيد الشهور هلاّ حاسبنا أنفسنا ماذا قدمنا في هذا الشهر المبارك من عمل، هل عودنا أنفسنا على الصبر والمصابرة ومجاهدة النفس كما عودنا أنفسنا على الصيام، هل عودنا أنفسنا على فعل الطاعات وترك المعاصي والسيئات ابتغاء رضوان الله فانتصرنا بذلك على النفس الأمّارة بالسوء وكبحنا جماحها فصارت نفوسنا مستسلمة لرب العالمين، هل نقينا قلوبنا من الغل والحقد والحسد والبغضاء والشحناء لإخواننا المسلمين وفتحنا صفحات بيضاء ملؤها المحبة والتواصل، ماذا استفدنا من هذا الشهر؟ وما هي الأمور التي قصرنا فيها ؟ فمن كان محسناً فليحمد الله وليزدد خيرا وليسأل الله الثبات والقبول والغفران، ومن كان مقصراً فليتب إلى مولاه قبل حلول الأجل. كما أن لمحاسبة النفس فوائد منها: الاطلاع على عيوب النفس، ومن لم يطّلع على عيب نفسه لم يمكنه إزالته، التوبة والندم وتدارك ما فات في زمن الإمكان، معرفة حق الله تعالى فإن أصل محاسبة النفس هو محاسبتها على تفريطها في حق الله تعالى، انكسار العبد وزلته بين يدي ربه ومعرفته بكرم الله سبحانه وتعالى وعفوه ورحمته بعباده في أنه لم يعجل عقوبتهم مع ما هم عليه من المعاصي والمخالفات، الاجتهاد في الطاعة وترك العصيان لتسهل عليه المحاسبة فيما بعد، رد الحقوق إلى أهلها، وسَلْ حسن الخاتمة، وحسن الخلق، وهذه من أعظم ثمرات محاسبة النفس. اللهم تقبل منا صيامنا وقيامنا، وأحسن خاتمتنا يوم نلقاك، اللهم اجبر كسرنا على فراق شهرنا، وأعده علينا أعواماً عديدة وأزمنة مديدة، واجعله شاهداً لنا لا علينا، اللهم اجعلنا فيه من عتقائك من النار، واجعلنا فيه من المقبولين.

- الرياض


Homod7@hotmail.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد