في أمريكا يحمل كل طالب جامعي همًّا تطوعيًّا نذر نفسه للقيام به، وهناك تتعهد كل أسرة بعمل تطوعي خيري، ويتكفل كل مجتمع بجهد تبرعي جماعي، وتتسابق الشركات في دفع المليارات للجمعيات الخيرية، ويتبرع أثرياؤها بأموالهم كاملة أو مناصفة أو أجزاء منها في أعمال التطوع. أمريكا لم تبنِ إمبراطوريتها من فراغ؛ فتلاحم المجتمع وإحساسه بالمسؤولية العامة وتعاطفه هو حجر الزاوية في انتصارات الدول وفي رفاهية المجتمعات وإحساسها بالأمان والاستقرار وارتفاع إنتاجيتها.
جمعية كلانا تنادي: يا أخي ويا أختاه، أيسرك أن يكون الفرد الأمريكي خيراً منك وأنت تمثل أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟ «كلانا» تشكو حال شركاتنا وبنوكنا وتنادي «لا تغلبنكم شركات أمريكا»، فأنجح الشركات هناك أكثرها تبرعًا وإحساسًا بالمسؤولية الاجتماعية. «كلانا» تخاطب روح التاجر الصادق والثري الأمين: أيسرك أخي أن يتحدث العالم عن بيل جيت وبفيت اللذين تبرعا بكل أموالهما وهم أحياء للجمعيات الخيرية - ومثلهما كثير من أثرياء الغرب على تفاوت في النسب - وأنت من أحفاد أبي بكر وعثمان وسعد بن عبادة وحاتم الطائي؟ «كلانا» تبكي حالنا وتنادي: أين مجتمعنا الذي كنا نفاخر به العالم أجمع في مكارم الأخلاق؟
جمعية كلانا ذات أهداف نبيلة وواضحة، ولكن الهدف الأسمى هو نشر العمل التطوعي وروح التبرع للجمعيات الإنسانية الخيرية. إنّ نجاح جمعية كلانا على أساس التبرع والأعمال التطوعية هو حجر الأساس لبداية حقبة جديدة في مجتمعنا السعودي لنشر ثقافة العمل التطوعي المؤسسي وروح التبرع للجمعيات الإنسانية؛ ما يوسع قاعدة الجمعيات الإنسانية ويكثر أهدافها ومجالاتها حتى لا تبقى ثغرة يحتاج إليها المجتمع إلا وقد سُدت الثغرة من قِبل جمعية خيرية. جمعية كلانا بدأت بداية جيدة وهي تشق طريقها بصبر وجلد عبر ثقافة الممانعات والاتكاليات لتعبّد طريقًا سهلاً للجمعيات الإنسانية في مجتمعنا.
جمعية الأمير فهد بن سلمان الخيرية لرعاية مرضى الفشل الكلوي هي في حقيقتها جمعية تطمح إلى بناء الجانب الإنساني عن طريق التكفل بمرضى الفشل الكلوي الذين أرهقتهم الساعات الطوال تحت الأجهزة، وأتعبهم طابور الانتظار، وآلمهم عدم إحساس مجتمعهم بهم، فضنوا بعشر ريالات، وتركوهم يصارعون المرض في طوابير من الزحام وقضاء العمر في ساعات الانتظار والألم.
أخي، لا تقل لماذا نتبرع لغسيل الكلى والدولة هي المسؤولة عن الرعاية الصحية؛ فعدد المرضى كبير، ويزداد بمعدل أكبر من معدل نمو المراكز الصحية، فهل ندعهم حتى تكتمل المشاريع الصحية؟ ويا أخي لا تقل لماذا الفشل الكلوي من دون غيره من الأمراض؛ فالفشل الكلوي قد عظمت مصيبته، وكل مرض عظيم، ولكن ابدأ بثقافة التبرع اليوم وستجد الجمعيات تترى، كلٌ لما يُسّر له. ويا أخي لا تقل لماذا؟ ولِمَ؟ ولو أن؟.. لكي تُرضي ذاتاً آلمها وضعنا ولكنها تدفع إحساس الذنب بالتخلي والتمني. أخي، إن تبخل اليوم فإنما تبخل عن أبيك وأمك أخيك وابنك وابنتك، فإنه إن لم تنجح جمعية كلانا اليوم على القيام بثقافة التبرع لا تقوم بعد ذلك قائمة لأي جمعية خيرية إنسانية.
ولا يصح أن يسكت عن قولهم: ولماذا كلانا؟ فأقول لأنه قد ظهر أثر عمل هذه الجمعية وبان قطاف ثمرة جهدها، فإن تنجح كلانا تنجح ثقافة التبرع في مجتمعنا وتخرج لنا بعد ذلك 1000 جمعية إنسانية ويظهر فينا 1000 من عبدالعزيز بن سلمان.
أخي لا تقل كما قال الشاعر «كلانا غني عن أخيه حياته ونحن إذا متنا أشد تغانيا»، بل قُل «كلانا في حاجة أخيه حياته ونحن إذا متنا أشد تحاجيا»، وأرسل رسالة فارغة إلى 5060 تساهم بعشرة ريالات شهريًّا تشدُّ بها على يد الجمعية معنويًّا وماديًّا. ويا مجالس الشركات اعلموا يقينا أن المجتمع يحب المحسن، فأعظم دعم لصورتكم الذهنية هو قيامكم بالمسؤولية الاجتماعية، فلتكن كلانا أول موضوع ينجز في اجتماعكم القادم. ويا أخي التاجر الأمين والثري السعيد أسعد من حولك تسعد لك الدنيا وتشعر بجميل طعم الإحسان، فهو والله أعظم من لحظات قضاء شهور الصيف في جبال الألب.