Al Jazirah NewsPaper Thursday  09/09/2010 G Issue 13860
الخميس 30 رمضان 1431   العدد  13860
 

البليهي «الظاهرة العبثية»
عبدالرحمن بن عبدالعزيز اليمني

 

في زماننا الحاضر، ومع تقدم وسائل الاتصال والنشر بشكل هائل، أصبحت مسألة الشهرة والانتشار مطلبا سهلا يناله من يسعى إليه، وهذا هو أحد أمراض العصر التي أفرزت أجيالا يستعصي مكافحتها أو إسكات طنينها المزعج.

إننا - كما ورد في الأثر - نعيش عصر التمتع بالرأي والتكسب من ورائه، والبعض غير مكترث بما سيخلفه هذا العبث من تشوهات مزمنة في تاريخنا وثقافتنا وما سترثه الأجيال من بعدنا.

أيها الأعزاء: إنك لتأسى وتحزن عندما ترى العبث أصبح ظاهرة، وتجد لها من يخدمها ويفسح لها المجال تحت شعار حرية الرأي.

إن حرية الرأي ليست مطلقة للعبث والشذوذ ولها حدودها أخلاقياتها المستمدة من الثوابت والأمور القطعية التي يؤمن بها الفكر الجمعي الذي لا ينكر حضارة أمته وتأثيرها الكبير في التاريخ الإنساني.

كم يتثاقل القلم بين أصابعي وأنا أتعرض بالنقد لشخص بذاته، ولكن» ما حيلة المضطر إلا ركوبها»، فلقد بلغ السيل الزبى، وسكب الخل على العسل، فما رأيتني أقف صامتا أمام طرح عبثي تكرر مرارا بترديد مخجل وممقوت، والعجيب في الأمر أن هذا الطرح الذي تناول الفلسفة والأدب، والشعر والحضارة والتنوير والحداثة، أتى من خريج كلية الشريعة، وفجأة وبدون مقدمات، قدم إلينا كمفكر له آراؤه التي لم يسبقه إليها أحد من العالمين!!، فمن إنكار الحضارة العربية برمتها، إلى وصم العرب بأنهم أناس ليس لهم أي دور في حضارة بني الإنسان،وأنهم متخلفون بلا حدود!!، إلى آخر ما خلص إليه وجلب بما نشر في هذه الجريدة في عدد الخميس الماضي تحت عنوان» قارنوه بالمتنبي وستجدون الفرق لصالحه» يا للعجب!! فالبليهي استطاع أن يزن شعر المتنبي بل ويختصره في سطرين ويصنفه في مرتبه أقل من شعر القصيبي»رحمه الله».

أكاد أجزم أن هذا الكلام لو خرج في حياة القصيبي لاعتبره تهكما بشعره لا مديحا له، فالقصيبي كتب أنه يعتبر نفسه من شعراء الدرجة الثالثة، وكان محقا ومنصفا.

المشكلة ليست في عبثية الرأي عند البليهي ولكنها في الاحتفالية التي يحظى بها من بعض وسائل الإعلام، وهذا ما سيجعل المثقفين من حولنا يحسبون علينا هذه المراهقات الفكرية، وأنها تمثل رؤية حقيقة لدى مثقفينا.

يا وسائل إعلامنا:- إن من ينكر حضارة أمته بل يكاد ينكر آدميتها لا يستحق منكم تلك الحظوة، ولا يرتقي فكره إلى مرتبة الحوار الحر، أو حرية الفكر التي منحت له المساحات تحت شعارها.

إن من السهل على أي إنسان مهما تدنت ثقافته أن يخرج على الناس برأي شاذ ينقله إلى دائرة الضوء، ولكن من الصعب بل من المستحيل أن ينتهي به الأمر لأن يصبح مفكرا أو أديبا يعتد برأيه ويحظى باحترام الناس.

نذكر جميعا عندما أنكر طه حسين الشعر الجاهلي فقط، كم كلفه ذلك من نقد واستنقاص، فرجع عنه بعدما عرف خطأه، فما بالكم بمن ينكر الموروث بأكمله، أو يحتقر دوره الذي اعترف به ألد أعداء الأمه، وذلك خشية وقوعهم في خطأ ينقص من مكانتهم العلمية ومصداقيتهم.

أن الحكم على الشيء فرع من تصوره، وإن من يدلي برأي في قضية ما، لابد له أن يكون ملما بها متعمقا في دراستها. ومن هنا أسأل البليهي هل قرأ موروث العرب وتعمق فيه؟، وهل أحصى علومهم وفنونهم ودرسها وقيمها؟، ثم هل وضعها في مقارنة مع موروث الأمم الأخرى، التي يفترض أن يكون ملما بها أيضا ومتعمقا في دراستها؟، أم أن المسألة هي وريقات وكتيبات جلبت له، وفلسفها له من جلبها إليه فرددها كما قرأها من غير تمعن لأبعادها.

كما أسلفت من الهين على أي إنسان أن يهدم بلسانه ما بناه الآخرون بدمهم وعرقهم، ولكن عندما يدنو به الأجل، سيشعر بحجم الإساءة التي ارتكبها، وستصغر عنده المكاسب الوقتية التي مرت وذهبت كأن لم تكن.

والله من وراء القصد.

للمتنبي:-

وإطراق طرف العين ليس بنافع

إذا كان طرف القلب ليس بمطرق

وله أيضا:-

يهون علينا أن تصاب جسومنا

وتسلم أعراض لنا وعقول

وله أيضا:-

ومن البلية عذل من لا يرعوي

عن جهله وخطاب من لا يفهم

Alymni-111@hotmail.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد