مَنْ هذه؟ ما أعذبَ الأنداءَ! |
تُنسي عذوبتُها الظميءَ الماءَ |
يستنشق المشتاقُ منها نفحة |
يُحييه ريًّا طيبُها ورواءَ |
مَنْ هذه؟ فتجاوبتْ أعلامها |
حدبًا عليه ورددتْ أصداءَ |
وتهامستْ جنباتها لتجيبَهُ |
خجلا بها من جهله وحياءَ |
هذي (المدينة)، كيف تجهل طيبَها؟ |
وبه تضوّعت القرون زكاءَ |
وأعادها أخرى وفي قسماته |
وحيٌ فليس السائلون سواءَ |
مَنْ هذه؟ وترسَّلتْ نبراته |
نطقًا يُترجم بالسؤال خفاءَ |
أنا ما جهلتُ ، وربما سأل الفتى |
شوقًا؛ ليلقى في الجواب شفاءَ |
هذي (المدينة) ليس يجهلها امرؤٌ |
أنى؟ وقد مُلئتْ سنًا وسَناءَ |
لما غشيتُ نجودها وسهولها |
ألبِستُ من نسْج الجلال غِشاءَ |
وغشتْ فؤاديَ رِعدةٌ؛ لا خشية |
منها ولكن هيبة وبهاءَ |
جاورتُ خيرَ المرسلين بأرضها |
فكأنني جاوزتُ منه سماءَ |
وكأنها في الأفق جِرمٌ سابحٌ |
مع مكةٍ، تتعانقان إخاءَ |
ليست تنالهما الديار وإن سمتْ |
حتى تنال الوَهدة الأنواءَ |
فهما الثريّا والديار جميعها |
مثل الثرى، أنى يكون كِفاءَ؟ |
هذي (المدينة) ما أعزّ ترابَها! |
فلكم أقلَّ الهاديَ الوضّاءَ |
يا حبذا هذا الترابُ ونشْره |
ما زال يذكو من خطاه ذكاءَ |
مَحََضَ الوفاءَ له طوال حياته |
حتى قضى فطواه فيه وفاءَ |
واللهِ لهْوَ أعزُّ من بعض الورى |
مَنْ ناصبوه مدى الزمان عِداءَ |
يا (طَيْبَ)، طبتِ الدهرَ منذ قدومه |
وانساب طيبُكِ يَترع الغبراءَ |
أيامكِ الغراء غُرّة دهرنا |
كم نشتهي أيامكِ الغراءَ |
طابت دهوركِ: هجرةً وسقيفة |
وسمتْ بقاعكِ: روضة وقباءَ |
عذرًا؛ فقد طفّفتُ حقّكِ، ليس لي |
فيه يدٌ، فلتعذلي الإيحاءَ |
قد شرّدتني في حماكِ شواردٌ |
لما تركتُ ابني الحبيبَ وراءَ |
رفقاً بقلبي يا بُنيّ فإنه |
ليكاد يقطر حينما تتراءى |
احبسْ طيوفكَ يا (فراسُ) فإنها |
لتزيد قلبي باللقاء شقاءَ |
أعفيتُ طيفكَ من وصالي قانعًا |
حاشا وصالكَ أن يكون بلاءَ |
لكنني صادٍ لشخصكَ لا أرى |
عنه بطيفكَ سلوة وعزاءَ |
إن يرضَ صادٍ بالسراب تعللاً |
هيهات أن أرضى سرابَكَ ماءَ |
فلأنت عندي واصلٌ لو لم تجيءْ |
وسواكَ عندي هاجرٌ لو جاءَ |
أنا في (المدينة) يا بُنيّ تضمُّني |
وتمِضُّني حبًّا لها وولاءَ |
قد جاذبتني منكما ريحُ الهوى |
فجَرَتْ بأمركما عليَّ رُخاءَ |
ولقد هوِيتُ بها، فهلا قلتما |
ماذا سأصنعُ لو جَرَتْ هوجاءَ؟ |
رحماكما بالمستهام فإنه |
إنْ يَدْنُ لم ينعمْ وإنْ يَتناءَ |
|