Al Jazirah NewsPaper Thursday  09/09/2010 G Issue 13860
الخميس 30 رمضان 1431   العدد  13860
 

بين عذاب الندى وعذاب النوى
فهد العبودي

 

مَنْ هذه؟ ما أعذبَ الأنداءَ!

تُنسي عذوبتُها الظميءَ الماءَ

يستنشق المشتاقُ منها نفحة

يُحييه ريًّا طيبُها ورواءَ

مَنْ هذه؟ فتجاوبتْ أعلامها

حدبًا عليه ورددتْ أصداءَ

وتهامستْ جنباتها لتجيبَهُ

خجلا بها من جهله وحياءَ

هذي (المدينة)، كيف تجهل طيبَها؟

وبه تضوّعت القرون زكاءَ

وأعادها أخرى وفي قسماته

وحيٌ فليس السائلون سواءَ

مَنْ هذه؟ وترسَّلتْ نبراته

نطقًا يُترجم بالسؤال خفاءَ

أنا ما جهلتُ ، وربما سأل الفتى

شوقًا؛ ليلقى في الجواب شفاءَ

هذي (المدينة) ليس يجهلها امرؤٌ

أنى؟ وقد مُلئتْ سنًا وسَناءَ

لما غشيتُ نجودها وسهولها

ألبِستُ من نسْج الجلال غِشاءَ

وغشتْ فؤاديَ رِعدةٌ؛ لا خشية

منها ولكن هيبة وبهاءَ

جاورتُ خيرَ المرسلين بأرضها

فكأنني جاوزتُ منه سماءَ

وكأنها في الأفق جِرمٌ سابحٌ

مع مكةٍ، تتعانقان إخاءَ

ليست تنالهما الديار وإن سمتْ

حتى تنال الوَهدة الأنواءَ

فهما الثريّا والديار جميعها

مثل الثرى، أنى يكون كِفاءَ؟

هذي (المدينة) ما أعزّ ترابَها!

فلكم أقلَّ الهاديَ الوضّاءَ

يا حبذا هذا الترابُ ونشْره

ما زال يذكو من خطاه ذكاءَ

مَحََضَ الوفاءَ له طوال حياته

حتى قضى فطواه فيه وفاءَ

واللهِ لهْوَ أعزُّ من بعض الورى

مَنْ ناصبوه مدى الزمان عِداءَ

يا (طَيْبَ)، طبتِ الدهرَ منذ قدومه

وانساب طيبُكِ يَترع الغبراءَ

أيامكِ الغراء غُرّة دهرنا

كم نشتهي أيامكِ الغراءَ

طابت دهوركِ: هجرةً وسقيفة

وسمتْ بقاعكِ: روضة وقباءَ

عذرًا؛ فقد طفّفتُ حقّكِ، ليس لي

فيه يدٌ، فلتعذلي الإيحاءَ

قد شرّدتني في حماكِ شواردٌ

لما تركتُ ابني الحبيبَ وراءَ

رفقاً بقلبي يا بُنيّ فإنه

ليكاد يقطر حينما تتراءى

احبسْ طيوفكَ يا (فراسُ) فإنها

لتزيد قلبي باللقاء شقاءَ

أعفيتُ طيفكَ من وصالي قانعًا

حاشا وصالكَ أن يكون بلاءَ

لكنني صادٍ لشخصكَ لا أرى

عنه بطيفكَ سلوة وعزاءَ

إن يرضَ صادٍ بالسراب تعللاً

هيهات أن أرضى سرابَكَ ماءَ

فلأنت عندي واصلٌ لو لم تجيءْ

وسواكَ عندي هاجرٌ لو جاءَ

أنا في (المدينة) يا بُنيّ تضمُّني

وتمِضُّني حبًّا لها وولاءَ

قد جاذبتني منكما ريحُ الهوى

فجَرَتْ بأمركما عليَّ رُخاءَ

ولقد هوِيتُ بها، فهلا قلتما

ماذا سأصنعُ لو جَرَتْ هوجاءَ؟

رحماكما بالمستهام فإنه

إنْ يَدْنُ لم ينعمْ وإنْ يَتناءَ

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد