Al Jazirah NewsPaper Thursday  09/09/2010 G Issue 13860
الخميس 30 رمضان 1431   العدد  13860
 

استراحة داخل صومعة الفكر
تأخذه من يديه النهارات (إبراهيم زولي)
سعد البواردي

 

هذا هو العنوان .. انقياد بالطاعة لأفق يملؤه ضوء النهار .. يأخذه بعيداً عن العتمة والظلمة كي لا يضل سبيله وتأخذه مهالك الدرب إلى حيث الأمان.

هذا ما يمكن استنتاجه .. وما حكم به شاعرنا زولي على شعره .. لننظر .. ولننتظر قافلته الشعورية المحملة بالحصاد .. ماذا عن زاده وهو يعبر براحلته جادة رحلته؟! حاملاً في جعبته التاج.. والكثير من الكلمات؟!

على الأرض بعض خُطاك

يقولون هم اطفؤوك

ظلالك تمتد صوب الوجود

أنا أحمل التاج والكلمات

قبل أن تحملها يا شاعرنا على كتفك تذكّر أنّ مفردة اطفؤوك تأتي همزتها على الألف لا على الواو (اطفأوك) ..

تاجه المثقل بالكلمات آثر بدلاً من حملة تعليقه فوق سقوف الظهيرة الكثيرة كي يرسم به لون السماء .. وليس سقفاً واحداً .. ربما لأنّ السقف الواحد لا يتحمل عبء الحمل .. ولهذا تدحرج في أفق من هباء تاركاً له أخذ ما تبقى من عمر قبليٍّ لم يتعلم بحور الشعر.. وآثر غسلها بالثلج الناصع البياض.. وبالطلقات.. يا صديقي بعيداً عن الإغراق الدلالي كي لا نفرق سوياً في لجة الكلمات دعهم يشعلونها كي لا تنطفئ وكي تبقى السماء الحميمية محققة ما عجزت عنه الكلمات.. وما أعجزني عن فهمه.. وأنا أرقب العيون وهي تتجلى بدلاً من أن تحملق.. شاعرنا يفرغ من خلاصه كي يلج بوابة إخلاصه مرتداً نحو القرى.

لكِ الآن بيت بحي الزمالك

ورغم المكان وشهرته فإنه ينزع إلى جنوب الصعيد حيث جاء.. لأنّ القصور من حوله مزيج من سكينة وحزن وفرح..

حي الحسين وحده يأخذه أيما مأخذ .. النيل .. خان الخليلي .. شارع جامعة الدول العربية. بين إبهار المدينة.. وسكون الريف المصري يقول.. لا تتركوني.. فإنني سمعت ما قاله شاعر قبلي

لا يريد أن يضحك باكياً.. ولا أن يبكي ضاحكاً.. وشر بليته ما أضحك.. لهذه الشكوى آثر التشرد..

هذا دم يتقاطر خلف حدود العينين

تهيأ من بعد موت العصافير

سمى الوقوف على أهبة الموت

من زمن مسلكه..

لهذا تعاطى التشرد معه.. لماذا؟! لأنّ لعينيه سحر النظر..

عيناه يمكنها أن ترى النور

في هدوء رفاق الطفولة والصعلكه.!

العينان مثنى لا جمع عيون.. هكذا يصح أن يكون الشطر «عيناه يمكنهما أن يريا النور». من خلال ما سلف.. ما زلت أبحث عن شيء ما أرى فيه شاعرنا.. وأرى فيه نفسي كقارئ له.. الجُمل وحدها لا تكفي.. الشعر فكرة جلية لها البداية والنهاية.. كذلك الهواء الذي تحدث عنه..

الهواء الذي يتطاير حولك

يحضن كل القزوح

يقولون: أنت البداية..

أنت التي شاغلت جسدي

والمسافة ما بيننا كانحناء السؤال

تماماً يا شاعرنا العزيز.. بداية تبحث عن نهاية.. وسؤال يفتقر إلى جواب.. الحب مقايضة.. والشعر أيضاً مقايضة..

أريد هذا منك مثلاً ألست القائل:

سأرسل طائر روحي..

وفي لحظة سوف يأتي

كشكل الخناجر.. لا تطرديه

المهم أن يأتي.. وأن يلتقي المستحيل بأجنحة المستحيل كي يتحول إلى واقع يحلق بجناحين في فضاءات الفكرة.

شاعرنا له وفاق محسوب واتفاق محبوب مع ليلة كي يغني..

يفتح الليل لي مسرحاً للغناء

أبدل روحي.. أنا إرث الليل

هيا امنحوني عصا. أتوكأ. أو معطفاً في ليالي الشتاء

هي الأرض صاعدة سُلَّماً في يدي

يتداولها الشعراء..

دم في الخرائط علّمني أن أهز الدروب

يبدو أنّ العصا السحرية أو الشعرية في يدك هذه المرة لم تتوكأ.. حملتَ معطفك الدافئ شعراً وهززت بخطواتك الدرب.. ولكن ما حكايتك مع الطير الذي تحدد في الجناح فلمست روحك سره .. و:

أطلقته للشاعر الخلفي

تسبقه خطاي كعادتي

لماذا أخذه الدوار.. وقدم الاعتذار.. هل إنه طائر قلب جريح آثر الانزواء في زاوية البؤس واليأس أكاد لا أفهم!

شاعرنا إبراهيم زولي يبوح بسره الغارق في العري!!

من مزامير الشجيرات تدلت أغنيات

العشب شمسا..

لم أعد أملك سيفاً

مهرة أو قمراً يرقص في غيم السنين

جميلة هذه الكلمات.. والأجمل أن تأخذك صرخة ميلادك الأولى كصوت يلامس شكوى الأشياء.. البحر.. الغالب والمغلوب. الجلاد.. الدم النازف.. الخوف.. والأسماء التي لا جدوى منها لأنّ السهر وما يعنيه من ضجر هي حياتها.

لم تعد تملك سيفاً

تملك الآن الظنون

مطراً يسقط من أفق الجنون

هل يطفئ المطر يا شاعرنا نار الجنون.. أبداً.. الجنون لا يعترف بالمطر لأنّ خطابه الخطر.. وما أدراك ما الخطر حيث الأرواح تزهق.. والدماء تسيل.. والفضاء يملأها الضجر والعويل.. الجنون ما زال قوياً في ضعف.. والعقل ما زال في ثلاجة ينتظر من يفرج عنه.

وعن الفتى والحب كانت له صورة ملونة..

الفتى مترع بالخسارات

يهطل في راضيه البهاء المهادن

أطل لتأتي بعض الطيور

على ساعديه مسومة..

حاورته الشبابيك: في أي ثوب

ستذهب للمرأة القادمة

أبصره شاعرنا في ضواحي المدينة تائهاً شارد الذهن لا يعرف الفرق بين الجميلات. والطلقة! عشق ضائع انتهى بطلقة..

وكثيرون غيرك.. عنوان جديد متمرد ينادي بقطع الشك بالشك.. أو الدواء بالداء..!!

نقطع الشك بالشك لا باليقين

المسافة بين التوجس لا ريب تبدو لي الآن

أقرب مما توقعت.. ليس لنا طرق للسماء..

من قال هذا يا شاعرنا.. الطرق نحو السماء ساكنة.. والأبواب في اتجاه السماء مفتوحة.. والشك يعالج باليقين وإلا تحوّل إلى أداة تدمير للإرادة.. والحلم.. دع حداً من تشاؤمك لتفاؤلك.. وتفاعلك مع ما حولك.

جمالك أيها القروي يفسر دون مواربة

في خطاك الغموض!

إذاً كن قبيحاً .. لا تنهج

كثيرون غيرك قد ذهبوا دونما سبب واضح

فاقطع الشك بالشك لا باليقين

حكمة تكفي عن كتاب .. «كن جميلاً ترى الوجود جميلاً» .. رغم كل القبح الذي يملأ هذه الدنيا..

ربما لإفراطه في الشكوى.. ولأشياء أخرى اعترف في شعره أنه لم يكن طيباً!

أبداً.. لم أكن طيب القلب!

والأرض لم تحتمل دهشتي

أنا لا أستطيع الرهان على غيرها

السماء البعيدة للفقراء

وليس كما يحسب الشعراء..

دعوني أحدثكم لم أكن طيباً

أيها الأوفياء الحميمون.. الخنون!

وددت لو وضعت علامات تعجب خلف مفردة الحميمين (!!!) لأنهم في عداد الخونة.. والخونة لا تنفع معهم الطيبة..

«ما كان لي غيمة» واحدة من أجمل قصائده لعلها مسك الختام لرحلة شاعرنا إبراهيم زولي عبر ديوان «تأخذه من يديه النهارات».

يا فتى باليقين أتيناك .. هيئ لنا وردة بالمدينة

لي ألف جرح يبوح بسر البقايا ..

فمن ذا الذي يتطاول في جسدي

قرِّبا مهبط الجرح مثقلة بالغناء بلادي

أبادلها الروح بالروح.. والجرح بالجرح

لا هان موعدنا يا بلادي..

ولا هُنتَ يا شاعرنا الرقيق .. الرحلة معك شهية .. وغنية بالصور .. وبشيء من التساؤلات .. والكثير من المودة.

120 صفحة من القطع المتوسط

الرياض ص. ب 231185

الرمز 11321 _ فاكس 2053338

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد