Al Jazirah NewsPaper Thursday  09/09/2010 G Issue 13860
الخميس 30 رمضان 1431   العدد  13860
 
تقريباً
معضلة أن يكون الفن معاصراً
ضياء يوسف

 

لا شيء يمكن أن يكون خالياً من المعنى أكثر من كلمة «معاصر»، حيث ببساطة تحيل هذه الكلمة الفن ليصبح في مرحلة افتراض زائف، وتصادفية تخترعها اللحظة الراهنة بتقنياتها، التي من المحال أن تخلق في زمانها ما يخلقه الفن في وجوده.. أقصد الوحدة الفلسفية والجمالية المتكاملة عبر الزمن. فإذا كان للتقنيات تطورها فإن للفن في كل أزمانه تطوراً جديداً لا يقدم زمناً عن آخر ولا يفترض إبداعاً يتفوق على إبداع.

إن معاصرة التقنيات هي في ذلك البعد المناسب لدهشة الاكتشاف، إنما الأهداف في الالتزام العميق الذي تفترضه ضمن المعنى العظيم للفن، فهي دائماً معاصرة ومتقدمة، حيث هي موجهة في صميمها لجعل الحياة أفضل، أكثر جمالاً، وأكثر يسراً للناس من أجل فهم بعضهم البعض فكرياً وعاطفياً وسايكلوجياً وفلسفياً. هذا لا يلغي ضرورة استخدام الوسائل الحديثة المتطورة للتعبير..إنما الزمن في عادته في الكشف عن المعاصر دائماً قادر على فضح كل عمل لا يملك سلطة روحانية أو قيمة دائمة.

إن معضلة الاستسلام للمعاصرة تكمن في أنه وفي الحين الذي تتكون فيه الفكرة على مهل ومن خلال الامتداد البطيء الذي تشيعه مادة هذا النماء (الروح) صار الفنانون اليوم يريدون مكافأة عاجلة واهتماماً خاصاً واعترافاً فورياً، ما يربك سير الزمن واستيعابه في رحلة الانغماس الذاتي تلك.. لذلك يتنازل بعض الفنانين عن قيمهم الروحية (دورهم) ليمثّلوا مناهج معاصرة في طريقة تقديم الأعمال، لا الأهداف التي من المفترض أن تتقدم في رصد حالة المجتمع الروحانية، بل تتخطاها أيضاً.

بالإضافة إلى هذا فإنه وبقدر ما يحرص الفنان على إظهار مصادره المعرفية وتجاربه وتسلسل أفكاره لتبيان أثر جهوده بقدر ما أصبحت هذه اللحظات وبالتدريج تتغلب على الاهتمام بالعمل نفسه. وبقدر ما يمثّله تتبع العمل في مرحلة خلقه وتكونه في محيط رهافة الفنان من الصدق والحساسية إلا أن ذاتية الفنان أصبحت أكثر أهمية للجمهور من الإنجاز النهائي. إنها معضلة انتهاء زمن الغاية ليكون زمناً للوسيلة.

حين يكون من الملزم والملح أن يتلبس الفنان حالته الإبداعية حداً يرى فيه نفسه بلا أدنى ارتياب صاحب حق في التعبير بوصفه أكثر من مجرد مفسر أو راو، بوصفه إنسان قرر أن يصوغ للآخرين بصدق تام الحقيقة من منظوره الخاص بشأن العالم.. والذي تظهر الروحانية فيه كحالة ملازمة ومن العمق. يصبح من معضلات أن يكون العمل معاصراً، حقيقة أن الفنانين وأمام الأعمال البعدية الجديدة مختلفة الوسائط، في موقف بين أن يكون الفن مشروعاً متطلباً أخلاقياً وذا كثافة هدف روحانية، وبين أن يكون الفن جهداً واعياً يبذله خالق العمل لأن يكون معاصراً لا أكثر. في حين الأخيرة بالذات ما هي إلا سمة عليها أن تكون في الفنان نفسه لا متعمدة ولا هدفاً ماثلاً للتطبيق.

يقيناً ليست هناك روحانية في هذا العالم مهما بالغت في وثنيتها قادرة على أن تكون متخلفة أو حتى ملائمة لروح الزمن.. الشيء الأول الذي ينبغي تأسيسه من خلال العمل الفني لا بد أن يكون ما يؤمن به مبدع العمل. عندئذ فقط يمكننا التساؤل عن ما قصده وبالطبع لن يكون تساؤلاً لمناقشة تبني فكره أو مدى معاصرته بقدر ما هو مناقشة لفنية تحويل هذه الفكرة لعمل مثير لأفكار الآخرين وعواطفهم ومدى نجاح هذا.



deyaa@gmail.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد