Al Jazirah NewsPaper Thursday  09/09/2010 G Issue 13860
الخميس 30 رمضان 1431   العدد  13860
 
مداخلات لغوية
المشترك بين الأمثال الفلسطينية والعربية
أبو أوس إبراهيم الشمسان

 

الأمثال جمل جمعية الوضع، لها تماسك تركيبي قد تعززه المحسنات البديعية التي تجعل له جرساً موحياً ومعِيناً على حفظه وترداده. وتكسب الأمثال قوة انتشار في الاستعمال بسبب ارتباطها بالمواقف المتكررة. ويمكن النظر إلى الأمثال على أنها مدونة لغوية تتسم بالأصالة والاتصال، فهي أصيلة لقدم وضعها أو لارتباط دلالاتها بالموروث، وهي من هذه الجهة متصفة بالاتصال فهي معبرة عن اتصال تلك الدلالات القديمة. وللأمثال الفلسطينية خصوصية مرتبطة بالبيئة الثقافية المحلية، وهذا يتضح في الخصائص الصوتية والصرفية والتركيبية، ولكنها على الرغم من ذلك مرتبطة من حيث الدلالة بالتراث العربي من جهة ومرتبطة بنظائرها من الأمثال في البيئات العربية الأخرى، ومن أمثلة ذلك المثل (آخر العنقود سكر معقود) فهذا مطابق للمثل المصري مبنى ومعنى. أما المثل (آخر الدوا الكيّ) فهو يكاد يطابق مبنى المثل النجدي (آخر الطب الكي)، وأما قولهم (ابعد عن الشر وغني له) فهو مطابق للمثل المصري، ومثله قولهم (ابن الوز عوام) فهذا ما تسمعه في مصر وهو مثل مصري انتشر حتى أدخله الجهيمان في أمثال نجد الشعبية. وكذا قولهم في فلسطين (ابن الحرام ما خلاش لابن الحلال حاجة) فهذا ما يسمع مثله في القاهرة، ولكن الخلاف قد يكون في نطق الجيم فهي احتكاكية غارية في فلسطين طبقية شديدة في القاهرة خاصة، أما قولهم (اتغدى وتمدى ولو دقيقتين واتعشى وتمشى ولو خطوتين) فيكاد يشرح دلالة المثل النجدي (مِنْ تغدّى فِيتِمدّى ومن تعشّى فيتمشّى)، ويقولون (أجار المعروف عشر كفوف) وهو كالمثل النجدي (جزا المعروف سبعة اكفوف). وأما قولهم (أجت الحزينة تفرح ما لقتلهاش مطرح) كأنه الصيغة الفلسطينية للمثل المصري (جت الحزينة تفرح ما لأتلهاش مطرح) مع ما تقتضيه القواعد اللهجية من تغيير ظهر في إقحام الهمزة في الفعل (أجت) ونطق القاف طبقية لا حنجرية كما تسمع في القاهرة. وأما المثل المصري (الرجل تدب مطرح ما تحب) فجرى عليه شيء من التغيير في التركيب والأصوات، (الاجر ما بتدب إلا مطرح ما تحب)، فنلحظ أن الرجْل نطقت وفاقًا للهجة الفلسطينية (الإجر) وجعل الخبر محصورا باستعمال أداة الحصر (ما...إلا...). واختلف المثل المصري (لو تجري جري الوحوش غير رزقك ما تحوش) فهذه الصيغة الشرطية المعبرة عن امتناع الحدث لامتناع غيره تحولت في المثل الفلسطيني إلى صيغة طلبية (اجر جري الوحوش غير رزقك ما تحوش)؛ ولكنها لا تختلف في دلالتها عن المثل السابق، فهي تبين أن الرزق بيد الله، وليس بجهد الإنسان نفسه، وهذا بعد ديني أصيل يمتد إلى الثقافة العقدية التي ترسخ الإيمان بالله وبالقدر خيره وشره، وهي بهذا ترفع عن كاهل الإنسان همّ التفكير في لقمة العيش قبل الأوان. ونسمع في نجد المثل (اضرب العير يستادب الفهد) أو (اضرب الكلب يستادب الفهد) وهو أقرب، ويقولون في فلسطين (اضرب الكلب تايستعبر الأسد)، وهو يكاد يطابق الصيغة المصرية (اضرب الكلب يتعبر الأسد) غير أن المثل الفلسطيني أضيفت عليه أداة التعليل (تا)، وهي صورة متآكلة من الحرف (حتّى)، وأما (يتعبر) أي يعتبر، فجعل منها المزيد بالسين والتاء (يستعبر) للدلالة على بلوغ الغاية في العبرة، فالألفاظ في المثل مختلفة ولكن بنية المثل ودلالته متفقة فهو طلب لعقاب من هان أمره وسهل عقابه لعل هذا يردع من هو أقوى منه فيغني عن تكلف عقابه وهو أمر ربما يتعذر أو يكون فوق الطاقة، وهذه الأمثال بصيغها المتقاربة تحاكي دلالة المثل العربي (اضرب البريء حتى يعترف السقيم)، ومما يطابق في الغرض ويختلف بالألفاظ المثل التونسي (اضرب القوسة تتأدب العروسة).



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد