تعنى المجتمعات مؤسسات وأفرادًا بمحو الأمية بسبب العلاقة الوثيقة بينها وبين التنمية الشاملة، وذلك من أجل الرقي بالمجتمع إلى مستوى أعلى يخفف من الأمية والفقر والمرض..
..وهي ظواهر مترابطة فيما بينها، ولذلك فإن معالجة هذه الظواهر تكون بأساليب وطرائق شاملة ومتكاملة، وهو ما تنتهجه المملكة في هذا الخصوص.
إن الأمية موجودة في جميع أنحاء العالم، ولا غرابة في وجودها لأن هناك ظروفًا مختلفة تحرم البعض فرصة التعليم. والجهود التعليمية متواصلة في كل مكان لمحاربة الأمية. ولكن الغريب حقاً أن تظهر لنا الإحصائيات العامة لوزارة الخدمة المدنية أنه يوجد لدينا في أجهزتنا الحكومية حوالي (9217) موظف (مستخدم) لا يقرؤون ولا يكتبون، تحت نظام الخدمة المدنية، والسؤال الذي نطرحه هنا: لماذا هذا العدد الكبير من الأميين في الأجهزة الحكومية وهي قريبة من دوائر التعليم، والدولة تولي هذا الأمر جلّ الاهتمام، ووزارة التربية والتعليم تصرف سنوياً على برامج محو الأمية ما يزيد على (300 مليون) ريال، وتلاحق الأمية ببرامج محلية وإقليمية وعالمية في كل مكان من البلاد حتى حاصرتها وأوصلت نسبتها إلى أقل من 6% للرجال 18% للنساء؛ وهي نسبة قليلة إذا ما علمنا أن فيها مسنين وذوي ظروف لا تمكنهم من التعلم، وفي زمن نطمح فيه أن تعلن لنا الجهات المعنية عن انتهاء الأمية في المملكة؟.
بالتأكيد نحن هنا لا نعترض على توظيف من لا يقرأ ولا يكتب، ولكن نعترض على عدم إلحاق هذه الدوائر الحكومية لهذه الفئة (فئة المستخدمين) في برامج تدريب وتعليم ضمن برامج تنمية وتطوير الموارد البشرية التي تصمم لبقية الموظفين، كما نعترض على تهميش هذه الفئة سنين طويلة دون تعليم وتدريب. وقد يقول قائل إن هذه الفئة التي تتحدث عنها هي فئة المراسلين والقهوجية والسائقين وغيرهم من المعينين على ما يسمى (بند المستخدمين)، وهذا لا يسمح بتدريبهم أسوة بزملائهم الموظفين. ولهؤلاء نقول: هذا غير صحيح -وإن كان صحيحاً يجب تغييره- حيث إن التدريب حق لكل من يعمل وكل عمل يحتاج صاحبه للتدريب والتطوير المستمر، والنظام لا يمنع الموظف الذي يخضع لنظام الخدمة المدنية من التدريب، عند ترشيحه من جهة عمله. وإن الخلل يكمن في نظرتنا لأصحاب هذه الوظائف الدنيا، وعلينا أن نغير هذه النظرة، ونشرك أصحاب هذه الفئة في حق التعليم والتدرب والتطوير والنمو، ونتيح لهم ما يناسب قدراتهم من الفرص التي تتاح لغيرهم، وأول واجب مستحق علينا نحوهم هو إلحاقهم ببرامج تعليم محو الأمية في الفترات التي لا تتعارض ووقت عملهم (أمية القراءة والكتابة وأمية المهنة وأمية التقنية) وبرامج مراكز التدريب التقني والمهني أو غيرها مما يناسب مهنهم، وتشجيعهم على التعلم وتحسين وتطوير أنفسهم للأفضل، وإلزامهم بذلك لأن العلم فريضة، بل ونرى أن يكون ذلك شرطاً للاستمرار في الوظيفة الحكومية، حتى لا يكون بين الموظفين بعد اليوم أمياً لا يقرأ ولا يكتب حتى وإن كان على البند. والله الموفق.