زحام في الحجوزات عند المطابخ، إرباك للمرور أمام محلات الحلويات والورد، واستنفار عند محلات متعهدي إقامة الحفلات والمناسبات، حتى الذي لم يصب القهوة يوماً توجه لقصور الأفراح وصالات المناسبات طلباً لفرصة عمل صباح العيد وليلته إذ تبلغ حفلاتنا ذروتها تلك الليلة المباركة، ومن الغد فللاستراحات شأن آخر غير ما عهدته طيلة أيام السنة وشهورها، فهذه احتفالية العيد ليس غيرها، والبذل والسخاء في هذه الليلة على أشده.. لكنه يقتصر على المأكل والمشرب وملذات كانت بين أيدينا قبل العيد وستكون قريبة منا بعده، لكن سخاء العواطف والتصافي والتسامح ونقاء القلوب سيكون (عند الأغلب) دون ذلك، وستكون سويعات صباح العيد هي ذروة الحب والابتسام والتصافح بالأيدي دون القلوب أحياناً، لست متشائماً غير أن تجارب السنين وحديث المجتمع وصوراً قديمة وحديثه تؤكد هذا المنحى، هكذا هو الإنسان ابن بيئته والمجتمع ابن نمطه الثقافي يصعد وينزل درجات حسب درجة الوعي المعاشة في أوساط المجتمع، ونحن الذين نضع ونضبط هذه الدرجة فمتى اتسعت آفاق المجتمع الثقافية الحضارية ارتفعت درجة الوعي والتسامح والحوار العقلاني.. ومن ثم تكوين علاقات وأواصر ودية رحيمة بين أفراده وأطيافه، وإن عصفت به عواصف الغبار والشوائب لبث في مكانه والمجتمعات تمر عليه مسرعة نحو سمو المكان والزمان نابذة ترهات القول والفعل، ودنايا الظنون والشكوك، متطلعة إلى منارات الضياء والفكر الوضاء، وحين تسمو النفوس وتكبر الأفهام وتعلو النهى يكون المجتمع النقي المتصالح المتصافح بالمشاعر قبل الأيدي ويحق له آنذاك أن يعيش معنى العيد ومقصد العيد وحكمة العيد وبتلذذه بهذه اللقاءات الطاهرة الزكية من خبث النفوس والدنيا، يحق له حينها أن يتلذذ ويعيد التذوق من حلويات ومآكل وأطايب العيد، وفي المقابل فإن ذوي النعرات ومن في قلوبهم ثغرات وزوايا مظلمة وفي نفوسهم مجاهل وفيافي قاحلة فإن حلاوة السكريات لا تتعدى أطراف ألسنتهم حين يتذوقونها، فهم لا يكادون يستسيغونها إذ إن دونها متاريس وألغاماً وظلمات بين الجوانح والقلوب الصدئة التي لم تتم تزكيتها وتطهيرها وتنقيتها قبيل العيد بالعفو والتسامح والتصالح مع الذات والناس أجمعين، لن يكون العيد بالإشراقة المأمولة والنفوس يكتنفها قتر أو غيم أو غبار من تراكم الأضغان والكراهية، أو الكهرباء وادعاء الفوقية على الآخرين حتى وإن كانوا هم الأخيار، لكنه مرض القلوب وضيق النفوس التي لا تريد لها حميماً إلا ذاتها ولا صديقاً إلا هي، ولا تسعد بمشاهدة قريب أو نسيب أو جار يحالفه التوفيق في شأن من شؤون حياته، كأنها وصية على أرزاق الله وعلى أمور خلقه، وصية غير أمينة والأمر كذلك، فالفضاء والأرض فيهما متسع لجميع مخلوقات الله، فلِمَ الضيق والاكفهرار والعبوس والدنيا رحبة باسمة؟.. ابتسموا معها واضحكوا وامرحوا من غير بطر ولا إسراف، البسوا الثوب الأبيض واجعلوا القلوب بيضاء ناصعة والنفوس طاهرة، فإذا كنتم وكنا كذلك صبيحة العيد.