Al Jazirah NewsPaper Tuesday  07/09/2010 G Issue 13858
الثلاثاء 28 رمضان 1431   العدد  13858
 
شيء من
كبراؤنا والكتابة عن تجاربهم
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

 

ثقافة الكتابة والتأليف، وبالذات كتابة السير العملية الذاتية، وإمداد الأجيال اللاحقة بصور عن تجارب الأجيال السابقة لهم، شأنٌ لا تعرفه ثقافتنا إلا ما ندر. أما في الغرب فيندر أن تجد مَن يتولى منصباً قيادياً لا يكتب عن تجربته، ويُسجل مذكراته بعد انتهاء ولايته، ليورّثها للأجيال اللاحقة. السبب في تقديري يعود إلى أننا أمة تعشق السرية، وتكره الشفافية، بل ونعتبر الكتمان، والصمت المطبق، وطمس التاريخ، دليل على حصافة الرجل، وأمانته، ورجحان عقله، وحرصه على عدم إفشائه أسرار ما أؤتمن عليه من مسؤوليات، وهناك كثيرٌ ممن شاركوا في صناعة تاريخ التنمية في بلادنا منذ التأسيس وحتى اليوم، أحجموا عن الكتابة، وتدوين تجربتهم، لأن الكتابة -في نظرهم- قد تضطرهم إلى إفشاء أسرار، أو ما يُعتبر أنها أسرار، ليس من المألوف في أعراف ثقافتنا الحديث عنها، كما أن من القناعات الخاطئة في ثقافتنا أن الأريب لا يتحدّث عن نفسه، وإنما يدع الآخرين يتحدثون عنه، فأصبح جُلَّ تاريخنا -للأسف- يُدونه من لم يشهده. خذ -مثلاً- ما سجله حافظ وهبة مستشار الملك عبدالعزيز -رحمه الله- عن عمله مع المؤسس، وعن فترة التأسيس، والقيمة التاريخية الهامة لهذه المعلومات التي سجلها في كتبه، لتعرف مدى حاجتنا لمثل هذه المدوّنات التي نحن اليوم في أمس الحاجة لمعرفتها لنعرف من خلالها تاريخنا.

وكنت أقرأ هذا الأسبوع كتاباً للدكتور غازي القصيبي بعنوان (الوزير المرافق)، دوَّن فيه تجربته من خلال اشتراكه إما كعضو في أحد الوفود في مهمات خارجية، أو لكونه بالفعل وزيراً مرافقاً لبعض الشخصيات السياسية البارزة التي زارت المملكة. الكتاب كان مختلفاً، وجديداً على ثقافتنا، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ليس من حيث اللغة والأسلوب العذب الذي عُرف عن كتابات هذا الإنسان المبدع فحسب، وإنما في كونه سجلاً تاريخياً موثقاً للفترة التي اضطلع فيها الدكتور القصيبي بمسؤولياته كوزير في أكثر من وزارة، وسجل فيه انطباعاته عن عدد من الزعماء الذين التقى بهم خلال تاريخ عمله في الداخل والخارج، وكذلك بعض الحوارات مع شخصيات عالمية كان لها أثر في تاريخنا السياسي أو التنموي، وصناعة الأحداث في حينها. الكتاب كان بالفعل ممتعاً ومفيداً، ألقى فيه الضوء على بعض التفاصيل الصغيرة، والهامة، بل وبعض المواقف الطريفة، والتي لو لم تدوّن لدخلت في غياهب ما أهمله التاريخ. بل أكاد أجزم أن هذا الكتاب الصغير في حجمه سيكون معيناً ثرياً سينهل منه كل من أراد الكتابة عن تاريخنا السياسي والتنموي، إضافة -بالطبع- إلى كتابه الآخر (حياة في الإدارة)، الذي هو -أيضاً- من أهم الكتب -إذا لم يكن أهمها على الإطلاق- التي تحدّثَتْ عن حقبة مفصلية وهامة من تاريخنا التنموي.

كثيرون شاركوا الدكتور غازي في صناعة التنمية في المملكة مازالوا على قيد الحياة، ولم يفكروا -للأسف- في كتابة تجربتهم الإدارية، وأنا على يقين أنَّ أغلبهم لديهم القدرة على الكتابة، والمساهمة في إثراء الأجيال الحالية والقادمة بالحديث عن تجربتهم أثناء عملهم. تدوين مثل هذه التجارب، وإثراء الخلف بتاريخ السلف، هي تطبيق عملي لمقولة زارع الزيتون: (زرعوا فأكلنا ونزرع فيأكلون)، فلماذا لا يزرع الآباء ليأكل أبناؤهم وأحفادهم؟

إلى اللقاء.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد