نمو المكانة الدولية وزيادة التأثير العالمي واتساع دائرة المشاركة في صنع القرار الدولي لا تأتي من فراغ، فالدول التي تقود البشرية وتخطط لمساراتها الحاضرة والمستقبلية لا تتجاوز بضع دول مكَّنَتْها قدراتها وإمكاناتها من الوصول إلى هذه المكانة فصُنِّفتْ إلى دول كبرى وأخرى نامية.
ومثلما لا يُعد نادي الدول الكبرى والمؤثرة حكراً على دول معينة، فإنه أيضاً ليس مفتوحاً ولا متاحاً لجميع الدول لتكون مؤثرة، ما لم تمتلك مقومات متميزة وتسهم إسهاماً فعالاً في تعزيز السلام والاستقرار والتجارة والاقتصاد، لجعل البشرية متعايشة وتنعم بالاستقرار وبحياة متكافئة ومتوازنة لكل الدول ومواطنيها.
ومع أن الأوعية الدولية والمنظمات الضامة للدول والتي تهتم بمجالات عامة ومتخصصة قد تنوعت، إلا أن هناك من المنظمات والجماعات الدولية لها مكانة متقدمة لما تقوم به من أعمال ووظائف لخدمة البشرية، سواء في تعزيزها للسلم والاستقرار الدوليين، أو للحفاظ على التقدم الاقتصادي والصناعي وتحسين مستوى حياة الإنسان ككل.
وتأتي منظمة الأمم المتحدة والهيئات المتفرعة منها كمجلس الأمن واليونسكو، والفاو وغيرها من المنظمات التي أسهمت ولا تزال في تحسين مستوى العلاقات الدولية.
ولأن العلاقات الدولية تسعى دائماً للأحسن وتسير للتطور، فقد أخذت مجموعة منتقاة من الدول على عاتقها خدمة البشرية ومساعدة الدول المحتاجة، ودعمها تنموياً واقتصادياً والمشاركة في حل النزاعات الدولية.
في البدء اقتصر الأمر على الدول الثمانية الاقتصادية، إلا أن تنامي عناصر القوة والنمو بدول أخرى جعل من ضمها لمجموعة الثمانية عملاً لا بد منه، لتوسيع دائرة المسؤولية وزيادة الفعالية في العمل الدولي المشترك، وهكذا ضمت اثنتي عشرة دولة هي الأكثر نمواً والأسرع في تحقيق معدلات التقدم والأوسع إسهاماً في التخفيف من الآلام الإنسانية ولامتلاكها عناصر قوة تمكنها من تأدية أدوارها.
المملكة العربية السعودية إحدى الدول التي كانت ضمن الحزمة الجديدة التي عززت بها مجموعة الثمانية أذرعتها الدولية. ولم يكن اختيار المملكة لقوتها الاقتصادية ولمكانتها الإقليمية والعربية والإسلامية ولا لمواقفها السياسية المتميزة، ولا أيضاً لقدرة قيادتها على اتخاذ القرارات المعتدلة التي تقوي وتعزز الاستقرار الاقتصادي والسلم العالمي، بل لكل هذا، فالعمل السياسي والاقتصادي في المملكة يسير في خط واحد هدفه خدمة الإنسانية، أولاً من خلال رفع مستوى حياة المواطن السعودي والاهتمام بمشكلات الإنسان المعاصر عموماً.
هذه المسؤولية والمشاركة الفاعلة للمملكة قبل وبعد انضمامها لمجموعة العشرين أثبتت أن هذه الإضافة ستعزز وتقوي المجموعة وتجعلها أكثر إحاطة بالقضايا الدولية، وأكثر قدرة على معالجتها واستنباط الحلول لها. ومن هنا توسعت إسهامات ومشاركات المملكة في اجتماعات ومؤتمرات ولقاءات مجموعة العشرين، ومنها المشاركة الحالية لمجلس الشورى في الاجتماع المشترك لرؤساء برلمانات مجموعة دول العشرين الذي بدأ أعماله في العاصمة الكندية أوتاوا أمس الأول. وستكون مشاركة المملكة مشاركة فعالة ومثمرة، من خلال ما تحمله ورقة العمل التي سيقدمها مجلس الشورى باسم المملكة، والتي تتضمن محاور عدة، من أهمها تأكيد خادم الحرمين الشريفين في اجتماع قادة المجموعة في شهر يونيو الماضي باستمرار المملكة في برنامجها الاستثماري في القطاعين الحكومي والنفطي بإنفاق 400 مليار دولار على مدى خمس سنوات، كما تتضمن ورقة العمل السعودي تقديم تجربة المملكة في أسلوب الحوار بوصفه نموذجاً لتحقيق السلم والاستقرار العالميين، مستمدة من مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحوار العالمي.
كما تتضمن الورقة العديد من المبادرات والقرارات التي اتخذها الملك عبدالله بن عبدالعزيز والحكومة السعودية للإسهام في تحقيق الأمن الغذائي العالمي، ومنها الاستثمار الزراعي والحيواني خارج المملكة، والإجراءات الإصلاحية وتحسين الأداء والنهج المالي والاقتصادي الذي جنب المملكة التأثير السيئ للأزمة الاقتصادية العالمية.
دعوة ومشاركة مجلس الشورى في هذه الاجتماعات الأعلى للبرلمانات العالمية لعشرين برلماناً من النخبة الدولية لا تعزز وتقوي المكانة الدولية للمملكة العربية السعودية فحسب، بل اعتراف وتأكيد على أهمية وفعالية نهج ونظام الشورى الذي تأخذ به المملكة.
***