مضت الأيام.... طوينا شهراً وأياماً من بعدك.... لم تعد لنا.... لم يعد ذلك الباب مشرعا.... والمضافة افتقدتك.. كما افتقدناك.... أياماً أيها الحبيب.... تتابعت في الرحيل سراعا من بعدك... لم تعد لنا.... اعتادت العيون البكاء... والقلب الآهات... والامل انتظارك.
أنا لا أكتب عنك ولكني سأكتب ل(راكان ) الذي اختطفته يد المنون في غفلة... رحل سريعا.... دون أن يشعرنا بأي شيء يقلقنا عليه.. أطمئنك على شجرات نبتت على أطراف أم الاجراس بعد ان غرست الارض بنقائك وبياضك.. إن ل(كاف) ابنا أحبه الناس من فرط حبه لهم ومن فرحه بالحياة وسعادته التي جعلت من يديه أجنحة تغرد به في فضاء الفرح.
قال لي ذات يوم .. ماهي الأخبار؟. فكانت الاجابة حاضرة بلا تحضير.. المسئول ليس أعلم من السائل فأنت أخي من الوجهاء فاحذر أن يسقطك من حملوا الاختام فمسكنهم القفا.... ان طالت او قصرت.... الهرب لا ينفع معهم..
قال لي رحمه الله:
أما زلت تبحث في جيوب (ذاكرتك) عن (مساحات) لمسقط رأسك.. اما زلت تبتسم للفتيان القادمين من السبخاء إلى فضاء الحرف والقرطاس.. والمحبرة ؟؟؟
لا أعرف يا أخي العزيز وانا أؤبنك بعد رحيلك... ماذا سأكتب لك هذا الصباح.. صباح العيد ... وهو يوقظ فينا كل المواجع... وأنا افتح سفر الذكريات واتيح للعين فرصة البوح بعد ان حجرت على دموعها..
مُرهق أنا مثل أيامنا بعدك وأبحث عن (اطلالتك) في حضرة العيد فجئتني طيفاً من الالم وذكريات من الضنى.. من أطراف الثغرة.. ومن سهلة غريفة ومن الاماكن التي تبكيك.. تبكيك معي.. جئتني حالة فريدة من أخ... وجئتك الصديق الاخ ... عزيزعليك.. تعوّد أن يلقى من حراب الرفض ما يلقى.. وأن تكون الدُنيا في لحظةٍ من لحظات الموقف النبيل كلها عليه، ويصبرُ على النائبات كما تصبرُ بلدتك على الفتية الذين غادروها.. في نهار قائظ من أيام (من يخلي المية تغلي بالكوز) ولم يعودوا لها في برد الكوانين.
أعرف أنك واجهت المرضَ... واشتقت لكل الوجوه التي شحبت ضحكتها بعدك.. وأعرف أنك كنت تريد أن تمضي من العمر في (الثغرة) استراحتك.. وأدري أنك كنت لا تترك أحداً من الجيل القديم.. إلاّ وكنت على موعدٍ معه.
قلت لك أخي العزيز... غفر الله لك... أكتب اليك ولا أكتب عنك.. والفارق ان الكتابة عنك هي استطراد لتاريخ أخوي بيني وبينك ..لكنك ...(راكان الأخ الحبيب)
إنك صفحات من نقاء وأسفار من سخاء... ومجلدات من مشاعر لاتعرف الكراهية ... انت لا يكفيك المقال.. لكن الكتابة اليك يا أخٍ لم تلده امي.. تعبير عن شعور.. صور من الم رحيلك... بل انت وانا جئنا من رحم بلدتنا وأرضعتنا من ثدي واحد.. فكانت اخوتنا اقوى من أخوة السُرّه... اخي الرافض للشيب والرافض لكبر السن والباحث عن مواطن الجمال والضحكة البريئة. هي شكوى مني اليك.. وأدري ان ما بقلبك هو ما بقلبي.
أحوم حول الحروف فتصدني آلامي عليك.. ولا أصل لسرد ما عشته معك وما اقتسمناه من قطعة خبز وجبنة حلوم في ذاكرة (المرجه) أو (جمرية) في سفح كلوه ولا (محموسا) في شعيب غريفة... كلها صارت من ذاكرة الوجع... سطور حبرت من دموع اللوعه... ولا خطر على البال ان تذهب أيامك سريعة كلحظات فرح جاءنا ولم يقيم... أو انني سأنثر حزني على تلك التلال التي شبرتها اقدامك أو أنثر عبراتي حروفا بكتك... بللت بياض الورق.
رحمك الله اخي (ابو علي).. وقدعرفت ايامك وصبرك واحتمالك وجهادك وايقنت بأن للظلم بابا واحدا. أما الحب فله الف باب وباب وان الوطن يشرع أبوابه.. وستفتح بوابات الوطن للعاشقين على مصراعيها وانت يامن ابكيك اليوم مكانك القلب والصفحات البيضاء والحرف.. ومكانك الندي الظليل قلوب محبيك و الذي يستلقي على أوراق شجيرات قلوبهم حضورك.. وأغصان أورقت ونبتت على أطراف صحرائنا.. والتي تنتظر فتية غادروها تباعا....تساقطوا كالاوراق في فصل الخريف ولا أظن ان الاغصان تورق في نيسان ثانية.. ولن تحضنهم بحنانها في صقيع كانون. نحضنكم ذكرى تدمي القلوب ونعيشكم طيوف تبكينا... تستمطر الهمّ... ونستعيد الحلم الذي لن نعيشه حقيقة... تركتمونا نقتات فتات الذكريات ونستطعم لوعة الرحيل.
أسأل الله ان يسبغ عليك شآبيب رحمته ومغفرته.