تلقيت مساء يوم السبت الرابع من شهر رمضان المبارك نبأ رحيل فقيد القريات الأستاذ راكان بن علي الغبين الخالدي، ولم أتدارك خبر وفاته؛
حيث أصابني ذهول وارتباك وحزن يكاد يعتصر القلب، خاصة أن المصاب جلل بفقدان خالنا الكريم، أحد وجهاء القريات. ويعلم الله أنه لم يكن يوماً عادياً مثل سائر الأيام الماضية بالنسبة لوالدي الذي رافق الفقيد زهاء الستين عاماً، وقد بلغ وأخذ الحزن والدمع منه ما أخذ بعد رحيله؛ حيث أجزم بأن والدي سيبقى فترة طويلة في ذهول من هذا الغياب لفقدان صديقه الحميم؛ حيث لا شيء يعوض عن رحيله من دنيا فانية إلى دنيا باقية.. كيف لا وهو يرحل تاركاً وراءه فراغاً كبيراً. ولكن شاء الله ذلك ولا راد لمشيئته وقدرته، وهو أحكم الحاكمين، وليس هناك اعتراض على قضاء الله وقدره بعد أن أراد المولى عز وجل أن يعيد الروح لباريها. وقد أخذ الحزن يخيم وكذلك الأسى على جميع من يعرف هذا الرجل المعطاء؛ حيث فجعت القريات أيضاً بوفاة أحد أعيانها الكرام ذي الخلق الرفيع الذي يسابقك التحية والابتسامة التي لا تفارق محياه فاتحاً منزله مع الكرم الحاتمي، رجل يحب عمل الخير وينفق بالسر دون العلن، وكما قيل (الناس شهود الله في الأرض)، وعندما يحب الله عبده يزرع حبه وقبوله ومحبته في قلوب الناس؛ حيث كان يحظي - رحمه الله - بمحبة وقبول واسعين لدى الجميع، لا أستطيع بهذه العجالة أن أملي عليكم بعض مآثره الطيبة وخصاله الحميدة والأخلاقيات العالية والمثالية التي كان يتمتع بها (فقيد القريات) ولكن بالفعل تموت الرجال وتبقى مآثرهم وآثارهم حية نابضة. بكل صدق أعجز عن أن أكتب مقالا أو كلاما يليق بتأبينه، علماً بأننا كثيراً ما نفقد أقارب وأصدقاء وأحباء ونحزن وقد نبكي عليهم لكن وفاة الخال راكان الغبين الذي أعتبره بمثابة الوالد أصابتنا بحزن من نوع آخر.. حزناً يقطع نياط القلب، وألم سيبقى مقلقاً لا يفارقني طويلاً، مع يقيني التام بأن الموت حق ورحيل الإنسان حق أيضا، ولكن رحيل الخال راكان الغبين فاجعة مؤلمة في نفوس جميع من عرفوا هذا الرجل الشهم الكريم؛ لذا لم أستغرب الوفود الغفيرة التي جاءت من كل حدب وصوب معزية برحيله وكل ألسنتهم تلهج بالدعاء بالرحمة والمغفرة.
نعود ونستدرك بعضاً من ذكراه علينا.. فبعد أن أصابه المرض الخبيث الذي لم يمهله طويلاً كان صابراً متماسكاً ومؤمناً بقضاء الله وقدره، كما كان مثالاً حياً لاحتساب الأجر على الله حتى استرد المولى سبحانه أمانته، وقد كانت آخر وصاياه الصلاة حيث كان يوصي أبناءه بالمواظبة على أداء الصلاة في وقتها وعدم تأجيلها، ولنرجع قليلاً وأتذكر عندما أدى عدد كبير الصلاة على المغفور له بجامع الفرقان بالدمام ومن ثم توجهنا للمقبرة من أجل دفنه حسب تعاليم شريعتنا الإسلامية، وهذه سنة الحياة، فالله يشهد أننا لم نستغرق في دفنه سوى دقائق معدودة لم تتجاوز اليد الواحدة، وهذا فضل من المولى عز وجل أن يسر وأيضا عجل في دفنه، ولعل وفاته بشهر رمضان الكريم دلالة خير بإذن الله تعالى.
وختاماً لست متخيلاً يا خالنا الغالي أن يأتي عيد الفطر المبارك ونتبادل التهاني وأنت بعيد عنا، كيف يهنأ لنا عيد بدونك؟؟ وأنا ما زلت أتذكر عندما ودعتك قبل أن نؤدي الصلاة عليك بالجامع حيث كان ذلك الوجه المشرق الطاهر الوضاء المتلألئ بنور الإيمان، اسأل الله بمنه وكرمه وجوده ومغفرته أن يتغمد خالنا الفقيد برحمته وأن يجعل مقامه الفردوس الأعلى وأن يبدله داراً بالجنة خيراً من دار الدنيا الفانية، وأن يجعل ما قدم بميزان حسناته. رحمك الله يا خالنا العزيز، وذكراك ستبقى خالدة في قلوبنا، فلقد رحلت بجسدك الطاهر بينما ستبقى في قلوبنا ساكناً كما سيبقى ذكركم الطيب بيننا نتوارثه جيلا بعد جيل، وإن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك يا خالنا لمحزونون.. طبت حيا وميتا يا خالنا العزيز.
(إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ).