تابع الكثير باهتمام تصريح صاحب السمو الملكي النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية رئيس مجلس أمراء المناطق - يحفظه الله - عن التوصيات التي رفعها المجلس إلى المقام السامي الكريم إثر اجتماعه السابع عشر الذي عُقد في مكة المكرمة الأسبوع الماضي. ومن ضمن التوصيات الاهتمام بواقع الشباب وقضاياهم والتحديات التي تواجههم، ومن أهمها تمكينهم من الحصول على فرص عمل مناسبة في القطاعين الحكومي والخاص، وحمايتهم من مخاطر الفراغ والتطرف والانغماس في السلوكيات الغريبة والدخيلة على تقاليد وثقافة المجتمع السعودي. فتوجيه سموه بإدراج قضايا الشباب على جدول أعمال المجلس نابع من اهتمام القيادة بوضعهم وتهيئتهم لمواجهة الأخطار التي تحيط بهم، وتفعيل دور أمراء المناطق وعدم الاعتماد فقط على جهود بعض الجهات المختصة مثل وزارة العمل.
إنَّ تمكين الشباب من الوظائف ذات الدخل المناسب، أو تهيئة الظروف المناسبة لممارسة الأعمال الخاصة، هو البداية الصحيحة لتجنيبهم الفراغ ونتائجه المدمرة، ومساعدتهم على الاستقرار النفسي والاجتماعي وتكوين الأسرة، والعيش في ظل حياة كريمة.
ومناطق المملكة ذات إمكانيات وموارد اقتصادية متباينة. فإذا كانت بعض المناطق تحظى بفرص عمل مناسبة لوجود الشركات الكبرى والوزارات والقطاعات الحكومية مثل المنطقة الشرقية، والمنطقة الوسطى، والمنطقة الغربية، فإن بقية المناطق قد لا تتوافر لديها مثل تلك المزايا، لكنها تتمتع بموارد وفرص عمل أخرى مثل الزراعة والتجارة والصناعة. فالكثير من الشباب لديهم الرغبة في مزاولة الأعمال الخاصة، لكن الظروف غير مهيأة لهم، والعوائق كثيرة، وأهمها منافسة الوافدين.
من هنا يأتي دور أمراء المناطق في ظل ما يتمتعون به من صلاحيات إدارية، وما لديهم من توجيهات، في إدارة الحياة الاقتصادية والإدارية في المنطقة بما يخدم المصلحة العامة، وتمكين الشباب من تولي دفة الأمور الاقتصادية وفقاً لظروفها وإمكانياتها المتاحة.
بعض سكان المناطق النائية تخلصوا نهائياً من العمالة الوافدة بسبب مشاكلها الكثيرة، وأولها الهروب، واعتمدوا على أبنائهم في التجارة والزراعة والثروة الحيوانية رغم الصعاب التي تواجههم. وهناك من ساعدتهم بعض القرارات الإدارية على الاستقلال في الأعمال التي يجيدونها، منها على سبيل المثال لا الحصر قرار منع الوافدين من مزاولة التجارة في (الحطب)؛ حيث ساهم في الحفاظ على البيئة النباتية، وفتح المجال لشريحة من المواطنين البسطاء ممن يعتمدون في مصدر رزقهم على هذه التجارة وفق شروط وضوابط تهدف للحفاظ على البيئة النباتية. وقرار آخر سمح لرجال الأمن بحجز سيارات النقل التي يستغلها الوافدون للتجارة في الأعلاف؛ حيث وفر الحماية لشريحة عريضة من المواطنين ممن يمارسون هذا النشاط.
ماذا لو صدر قرار إداري آخر بحصر مهنة البيع في المنشآت الصغيرة في المناطق النائية على السعوديين؟.. سوف تكون النتيجة تقبيلها وبيعها عليهم ومغادرة الوافدين الذين يسيطرون عليها. وماذا لو صدر قرار بسعودة وظائف الاستقبال في الشقق المفروشة التي تشهد توسعاً وازدهاراً في تلك المناطق بسبب الزيادة المطردة في عدد السكان السعوديين؟ سوف يضطر الملاك إلى شغلها بأبنائهم، أو البحث عن سعوديين لشغل تلك الوظائف وفق شروط وحوافز مشجعة. وعلى غرارها جميع الوظائف الإدارية المشابهة.
فالعمل الشريف، مهما كانت طبيعته، لم يعد للوجاهة الاجتماعية بالنسبة للكثير من الشباب، بل أصبح بمثابة تقرير مصير. وهذه الحقيقة لا تزال غائبة لدى بعض أصحاب الأعمال، أو أنهم يتجاهلونها لغرض الاستمرار في الاعتماد على العمالة الوافدة الرخيصة لأجل تعظيم الأرباح.
إن التنمية الاقتصادية والاجتماعية لا تزدهر إلا بفرض سيادة القانون وفق فلسفة ضمان التوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع. ولأمراء المناطق دور مهم في هذا المجال بما لديهم من صلاحيات إدارية، وتوجيهات من القيادة العليا، بالتنسيق مع الجهات المعنية.
malshmmeri@hotmail.com