أطلق صندوق النقد تحذيرًا من ارتفاع مستوى الديون السيادية إلى مستويات كبيرة في العديد من الدول ذات الاقتصاديات المتقدمة ورغم أنه لم ير أي بوادر لأن تتخلف أي دولة عن سداد ديونها وقال: إنها احتمالات مبالغ فيها ولكن من خلال التصنيف نجد أن هذه الدول وصلت إلى مستويات عالية جدًا من الديون ولم يأت تحذير الصندوق إلا كمقدمة لهضم الأرقام التي ترتفع على ديون الدول الاقتصادية الكبرى بشكل كبير.
وكمحاولة لوضع دول إضافية على قائمة من قد تصدر عنهم إشارات بالمستقبل عن انتكاسات في مسألة تخفيض الدين السيادي خصوصًا أن تلك الدول لازالت غير قادرة على التراجع عن خطط التحفيز الاقتصادية ورفع مستويات الضرائب على الأفراد كي يتسنى لها زيادة دخلها، بل على العكس نرى أن أوباما يحاول هو وفريقه الاقتصادي البحث عن حزمة تحفيز جديدة من ضمنها تخفيض الضرائب على الشركات خصوصا أن صندوق النقد وضع الولايات المتحدة وبريطانيا في المرتبة الثانية للدول التي قد تواجه أزمة ديون سيادية بينما وضع بالإضافة لليونان اليابان وإيطاليا والبرتغال في قائمة الدول الخطرة من ناحية مستوى الدين العام.
ويبقى لأمريكا الأهمية القصوى في مراقبة مستوى الدين ورغم أنها لا يمكنها أن تفكر بما يخل بقوة الدولار ومبدأ الثقة باقتصادها والاستثمار فيه لكن في ظل هذه الأزمة الطاحنة يبدو كل شيء وارد الحدوث فالفيدرالي الأمريكي قال بصريح العبارة إنه مستعد للتدخل إذا ما حدث تراجع للاقتصاد الأمريكي وكأنه ينبئنا بأن هذا ما يتوقعه وتؤكده الأرقام التي تصدر عن الناتج الوطني فقد تراجع طيلة الأرباع السابقة بشكل مستمر من 5 بالمائة إلى مستوى 1.6 بالمائة وكأن أموال الطوارئ استنفذت ولم يبق هناك من محفز حقيقي للاقتصاد.
والفيدرالي الأمريكي يبدو أنه وقع في فخ السيولة فضخ الأموال وتخفيض الفائدة لم يغر أحدًا بالدخول لسوق الإقراض، كما كان يظن ولم يبق أمام الفيدرالي سوى الاستمرار بإبقاء خطط التحفيز بالأسواق لأطول فترة ممكنة أو التأكيد على أن بقاء سعر الفائدة عند مستوى الصفر سيبقى لفترة طويلة أو إلغاء الفائدة على أموال المصارف المودعة لديه وتحديدها عند الصفر حتى تتحول لسوق الإقراض.
ورغم كل التحركات التي تجري حاليًا على المستوى الدولي لتحريك الاقتصاد ومنعه من الدخول بركود مزدوج إلا أن حالة عد اليقين هي المسيطرة حاليًا على كل الأسواق المالية التي تعكس بجلاء نفسيات المتداولين ومدى ثقتهم بما تقوم حكومات تلك الدول والتي يبدو أنها اعتادت ألا تصعد إلا على ما يصدر من قرارات وجرعات تحفيزية وفيما عدا ذلك فهي دائمًا ما تعكس اتجاهًا هابطًا وانعكس ذلك بانتعاش مجمل الأسواق منذ الفترة التي أعقبت قمة العشرين بلندن إلى قبل عدة أشهر قليلة، حيث بدا القلق يعود مجددًا للأسواق.
التحذيرات من أزمة الديون السيادية لم تأت فقط من صندوق النقد على الاقتصاديات الكبرى، بل أتت من لجنة الموازنة بالكونجرس الأمريكي وكذلك من مراكز اقتصادية يابانية وبريطانية ويبدو أن التأهب الدولي للمرحلة القادمة سيكون أكثر حساسية من قبل، فالعالم لا يتحمل عودة الركود للاقتصاد العالمي مرة ثانية ولا يمكن للأسواق أن تتقبل أي صدمة جديدة فسيكون التعامل معها بطريقة مختلفة عن السابق بحيث تهجر لفترات طويلة، أما دول الاقتصاديات الناشئة فستواجه مأزق استثماراتها الخارجية بسندات الحكومة خصوصا أن الصين تضع 65% من احتياطياتها في الدولار.
الديون السيادية أمامها حلول صعبة، فإما التقشف الذي سيضر النمو الاقتصادي العالمي ويعيده لمرحلة الركود أو رفع الضرائب لتقليص العجز بالميزانية وهذا بدوره سيقلل من استهلاك الفرد ويضر بالاقتصاد من حيث الانتعاش ويبقى مربط الفرس في يد أمريكا فما سيصدر عنها خلال الأشهر القليلة القادمة من تقارير وخطط تحفيز وتطمين لأسواق المال حيال قوة سنداتها سيكون له جلّ التأثير على مستقبل الاقتصاد العالمي لعدة سنوات قادمة فأما سقوط بمستنقع الركود مجددًا او انتهاء لكل المخاوف وبداية التأسيس لتعافي اقتصادي عالمي حقيقي.
mfaangari@yahoo.com