مقال اليوم هو رسالة شخصية من النساء السعوديات للسيدة «سيكرت» زوجة د. غازي القصيبي.
فهذه السيدة تستحق منا في هذه اللحظة الفادحة بالذات وقفة وفاء وقد رافقت صديق الحق والجمال والحرية
والعدل في رحلة حياة خاطفة و(خالدة بإذن الله).
ولكن كيف أكتب لك أيتها السيدة المشمسة في غيوم المحاق؟؟
ماذا تفعل المناديل لأنهار الدموع الحرَّى؟؟؟
ماذا تفعل الشموع والقناديل والأقمار لحلكة السهر؟؟
ماذا يفعل السراب لشهوة الماء؟؟
تحرث أصابعي لوح المفاتيح، فتفتح أمامي حقول اللغة نثراً وشعراً على مصراعيها عبر العصور، دون أن أقع في بحثي المضني على كلمة تليق بدمعة تترقرق في عينيك وفي عيون الأسرة رجالاً ونساء.
تهدر في أعصابي أمواج الحبر فلا أستطيع الإمساك بقطرة واحدة يمكن أن أكتب بها كلمة تواسيك.
تتحداني الشاشة أن أكتب حرفاً من حرقة السيدة أو أمسُّ شرارة من نار الفقد المستعرة من خصلات شعرها إلى شرايين دمها.وحدها الآن تتربع السيدة «سيكرت» مليكة على عرش الحزن وقد شاركناها على مدى عمر مديد ملح الأحلام وخبز الأمل إلا أنها حتى في هذه اللحظات الحميمية لا تستفرد بملكوتها فتدع المعزين يموجون على شرفة الوداع يقاسمونها في ذلك الغالي دقات قلبها.
فأي ماوية تلك المرأة التي قبلت بأن نقاسمها مواعيد العشق ومواسم الجزر والخصب كما ترتضي الشمس تقاسم نورها مع السماء والأرض.
باختصار يخل ببساطة الأسطورة وتعقيدها معاً، لم يكن غازي سياسياً وشاعراً، روائياً ومسؤولاً، ساخراً وساحراً، طفلاً طائشاً وراشداً طاعناً في الحكمة، عنيداً في الحق معادياً للظلم مشاكساً للظلام، خليلاً للنجوم والخارجين على سلطان النوم، متدرباً غير جاد على البرجماتية، بل كان في كل ذلك مبدعاً وعاشقاً. كان مقاتلاً شريفاً في المعارك كما كان فارساً نبيلاً في الهزائم.
فيا لاااا سرب النساء الساكنات في إيهاب السيدة «سيكرت» التي استطاعت أن تمشي مع ذلك الرفيق الشفيف الشرس على حد السيف حيناً وعلى حد الحبل والأسلاك الشائكة حيناً وعلى بساط المخمل الأحمر كما على بساط الريح وتلويات رمل الصحراء وسخونته دون أن تتعب أي منهن من أقدار الحرائر في الحر والبرد، كما في البعد والقرب.
فلك أيتها السيدة في حزنك الجليل ولأسرتك الكريمة من النساء السعوديات أحرّ الدعاء بأن يجبر الله مصابكم ومصاب الوطن ويغسل جرحك بالماء والبرد ويحفظك وسهيل وفارس ونجاد ويارا وبقية الطيف رمزاً وامتداداً لذلك الطود العظيم جعله الله في فردوس لا ينفد.
ليست كلمة ختام:
لم ألتقِ والدة د. غازي القصيبي لأن من المعروف بأن الله استرد أمانته فيها وهو طفل صغير، وإن أحسست بحميمية تجاه جدته لأمه وللهفوف التي خاطبها بأمه وللرياض التي تيتمت لغيابه وبغيره من غيد قصائده فيما أكنُّ شعوراً عميقاً بالصداقة ليارا ابنته وأحمل ذكرى لمها ابنة أخيه التي كانت من أجدِّ طالباتي، كما تربطني بالدكتورة سهام السويغ وأختيها هدى وإلهام ابنتي أخته سميرة علاقة زمالة وصلة عمر، إلا أنني لم أنتقِ عنوان المقال للحديث عن هؤلاء الغاليات في حياة غازي أحسن الله عزاءهن في الجلد الجميل وإن كان الحديث بهن وإليهن.
إن العنوان أعلاه لا يريد أن يكشف عن حلم بحثي مؤجل كبحثي الذي كتبته عن: «النساء في حياة الصديق الكاتب والروائي المبدع عبدالعزيز المشري رحمه الله»، ومع ذلك فلم أستطع أن أجد عنواناً أدق تعبيراً في الكتابة عن وإلى زوجة الدكتور غازي القصيبي من «النساء في حياة غازي القصيبي».
ليس هذا الاختيار فقط لتعدد قامات تلك السيدة وتعدد ابتساماتها وإلهامها في حياة غازي، ولكن أيضاً لأنني أرى في السيدة «سيكرت» (رمزاً للنساء) في العطاء وفي الصبر وفي الطاقة الخلاقة على التسامح والتمازج الحضاري وفي امتلاك ملكة حب لا تُحد تمتلكها النساء عادة.
فيا لاااااااا سيدة تجتمع فيها وعليها قلوب النساء. قلوبنا معك وأسرتك فرداً فرداً أيتها السيدة الجميلة النبيلة.
موعد متجدِّد مع غازي القصيبي:
في مقال قادم حين أكون قد تمالكت روعي قليلاً لذهاب غازي القصيبي لرحمة الله، سأكتب عن مجموعة مقترحات على مستوى وطني رسمي وأهلي في الكيفية التي يمكن أن نؤدي بها دين هذا الرجل في عنق الوطن، فمبادرة إطلاق اسمه على شارع من شوارع الرياض مبادرة طيبة ولكن هناك أكثر مما يمكن أن يقدم في مجال التعبير عن الحب وتثمين المسيرة النزيهة للدكتور غازي القصيبي. وأختم بقول: (إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ).
Fowziyah@maktoob.com