تقفُ باكستان اليوم على حافةِ انهيارٍ تامٍ وشاملٍ. الآلاف من الضحايا ومئات الآلاف ممن يتهددهم الجوع، من الأطفال خاصة، فضلاً عن ملايين المشردين قد يكشفون عمّا يمكن أن تفعله كارثةٌ «طبيعيةٌ»، إلا أنهم يكشفون عما هو غير «طبيعي» أيضاً.
الكوارثُ تحصل عادة، ولكن فقط النادر منها هو ما لا يمكنُ توقّعه. وإذا شِئتَ أن تترك العلمَ جانباً، فإن الماضي يقدمُ مؤشراتٍ تكفي بحد ذاتها للقول إن منطقةً ما تجلسُ في جوار بركانٍ يمكن أن يندلع، أو على خطِّ زلزالٍ يمكن أن يُميد الأرض، أو على ساحلِ محيطٍ يمكن أن يهيج على حين غرّة، أو على ضفافِ نهرٍ يمكن أن يفيض.
بعضُ هذه الكوارث قد يُرسلُ نُذراً تتيحُ للناسِ التأهبَ، وبعضها قد يأتي من حيث لا يعلمُ أحد. ولكن إذا كان هناك أي معنى ل»التجربة»، وإذا كانت هناك أي قيمة ل»المعرفة»،
وإذا كانت هناك أي جدوى من وجود «مؤسسة» (اجتماعية أو سياسية)، فإن الاستعداد المسبق لمواجهة الكارثة هو ما يفترض أن يكون نقطة البداية؛ هو الشيءُ البديهيُّ الأول.
أما أن يجد البلدُ نفسه غارقاً برمته في دوامةِ كارثةٍ ساحقةٍ كهذه، فالحقيقة التي لا مفر من الاعتراف بها، هي أن الكارثة الحقيقية ليست تلك التي تحطُّ على رؤوس الملايين من البشر ولكنها تلك التي تكمن في مؤسسات الدولة. هذه هي الكارثةُ الأولى. وهي كارثةٌ أسوأ بمليون مرة من أي كارثة «طبيعية».
توقعُ كارثةٍ، أو العيشُ في انتظارها، يتطلبُ تأهباً واستعداداً مُسبقاً. هذا هو البديهي الأول. وعدم وجود مؤسسةٍ قادرةٍ على التحكم أو التأهب لمتطلباتِ البديهيّ الأول قد يعني أي شيء، إلا أنه يعني أنها هي نفسها كارثة.
والفيضاناتُ هي آخر ما يجوز أن يكون سبباً لملايين الضحايا. فهي تحدثُ في مواسمَ معروفةٍ عادةً.
وهناك، من الخبراتِ والمعارفَ ما يكفي لكي تتم مواجهتها ليس بعد أن تحدث وإنما قبل أن تحدث، بل ومن أجل ألا تحدث أبداً.
الناسُ لم يخترعوا بناءَ السدودِ الأسبوع الماضي، والناس لم يشقّوا أنظمة الري والتصريف لتوزيع المياه الفائضة، ولم يبنوا الحواجز في محيط المناطق المنخفضة قبل وقت قصير.
لقد عاشت البشريةُ عمرها كلَّه وهي تواجه الكارثة تلو الكارثة، ولكنها لم تصل إلى عالم اليوم في معارفها واستعداداتها، وكأنها ما تزال تعيشُ في العصور الغابرة.
من الواضح أن الحكومة الباكستانية تناشد العالم من أجل السعي للحصول على معونات لإغاثة المنكوبين. ويترتب على كل الآخرين واجبٌ إنسانيٌ نبيلٌ لتقديم كل ما يمكن تقديمه للحد من عواقب المأساة.
إنها كارثةٌ، وهي أسوأ بكثير من أي فيضانٍ أو زلزالٍ يمكنُ أو لا يمكن التنبؤ به.
الطبيعي، في مواجهة «الطبيعي»، هو أن تكون الدولةُ قادرة ومهيأة قبل أن تقع الكارثة، لا أن تغرق ليغرق معها البلد.
رئيس تحرير»المتوسط اونلاين»
alialsarraf@hotmail.com