المشكلة لا تكمن في الوقوع في الخطأ، فلا أحد يمكن أن يزكى عن الوقوع فيه.. والمشكلة ليست في أن نجتهد دون أن نملك أدوات الاجتهاد، فنضل أو نضلل الناس.. وليست المشكلة في هذا الهوى الذي يربك نفوسنا، ويفرض عليها أن تستميت لتنال شهرة أو تنال حظاً في الدنيا، ويضللها باعتقادها أن كثرة حركتها فقط كفيلة بأن تحقق لها المراد.وليست المشكلة في حاملي الدفوف، هؤلاء الذين ما يكادون يسعون بشيء شاذ أو مخالف لطبيعة الأمور، إلا وأعلوا أصوات دفوفهم، وفتحوا الأبواب شرعاً ليدخل منها من يخالف، ونشروا بهمة لا نراها منهم في نشر الفضيلة والقيم على وقع أصوات دفوفهم ما يفرض على من يشذ أن يرقص طرباً.

والمشكلة ليست في هذه الطريقة التي يتحاور بها من كنا نظنهم الأعلم فينا، والأقدر على الحوار، ونحن لا نسمع منهم وهم يتحاورون فيما بينهم غيرَ تراشقٍ بالكلام، وانتقاصٍ لبعضهم البعض، وكيلٍ للتهم، متناسين كل ما علمونا وطالبونا به من أدوات وأسس الحوار وهم يردون على من يخالفهم.

المشكلة أننا قوم مستكبرون..

نعرف أننا نخطئ، أو يقصر علمنا عن أمر ما، أو لا نملك الكفاءة في هذا أو ذاك، لكننا نستكبر، على ظن أن التسليم بحدودنا ينتقص من قيمتنا.نكتشف الحق الذي جانبناه، لكن كبر نفوسنا يفرض علينا أن نستميت بدون أن نعترف به وأن تكشف لنا وأقنع أرواحنا، فيقودنا هذا الكبر إلى أن نخطئ ألف مرة ونحن ننكر حق عرفناه.هذا كما أظن فرع من الكبر الذي لا يدخل صاحبه الجنة، فما كفر الأولون لأنهم لم يعرفوا الحق، لكنهم كفروا لأنهم استكبروا..

وما تقاتل الأولون لأنهم لم يتبصروا بالحق، لكنهم تقاتلوا لأنهم استكبروا..

وما أخرج إبليس من الجنة عدم معرفته بالحق، لكنه استكبر، فأخرجه هذا من الجنة وكانت عاقبته ما تعلمون.. والله المستعان.